فصل: كِتَابُ الشُّفْعَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


كِتَابُ الشُّفْعَةِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ مَعْقُودَةً عَلَى الثَّوَابِ فَهُوَ كَمَا قَالَ إذَا أُثِيبَ مِنْهَا ثَوَابًا قِيلَ لِصَاحِبِ الشُّفْعَةِ إنْ شِئْت فَخُذْهَا بِمِثْلِ الثَّوَابِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ أَوْ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ لاَ مِثْلَ لَهُ، وَإِنْ شِئْت فَاتْرُكْ، وَإِذَا كَانَتْ الْهِبَةُ عَلَى غَيْرِ ثَوَابٍ فَأُثِيبَ الْوَاهِبُ فَلاَ شُفْعَةَ؛ لِأَنَّهُ لاَ شُفْعَةَ فِيمَا وُهِبَ إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا بِيعَ وَالْمُثِيبُ مُتَطَوِّعٌ بِالثَّوَابِ فَمَا بِيعَ، أَوْ وُهِبَ عَلَى ثَوَابٍ فَهُوَ مِثْلُ الْبَيْعِ، وَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ اشْتَرَطَ أَنْ يُثَابَ فَهُوَ عِوَضٌ مِنْ الْهِبَةِ مَجْهُولٌ فَلَمَّا كَانَ هَكَذَا بَطَلَتْ الْهِبَةُ، وَهُوَ بِالْبَيْعِ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يُعْطَهُ إلَّا بِالْعِوَضِ وَهَكَذَا هَذَا لَمْ يُعْطَهُ إلَّا بِالْعِوَضِ وَالْعِوَضُ مَجْهُولٌ فَلاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْمَجْهُولِ‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى شِقْصٍ مِنْ دَارٍ فَإِنَّ هَذَا كَالْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا، أَوْ حُرًّا عَلَى شِقْصٍ مِنْ دَارٍ فَكُلُّ مَا مَلَكَ بِهِ مِمَّا فِيهِ عِوَضٌ فَلِلشَّفِيعِ فِيهِ الشُّفْعَةُ بِالْعِوَضِ، وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ شِقْصًا فِيهِ شُفْعَةٌ إلَى أَجَلٍ فَطَلَبَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ قِيلَ لَهُ‏:‏ إنْ شِئْت فَتَطَوَّعْ بِتَعْجِيلِ الثَّمَنِ وَتَعَجَّلْ الشُّفْعَةَ، وَإِنْ شِئْت فَدَعْ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ ثُمَّ خُذْ بِالشُّفْعَةِ وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَرْضَى بِأَمَانَةِ رَجُلٍ فَيَتَحَوَّلَ عَلَى رَجُلٍ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ أَمْلاََ مِنْهُ، قَالَ‏:‏ وَلاَ يَقْطَعُ الشُّفْعَةَ عَنْ الْغَائِبِ طُولُ الْغَيْبَةِ، وَإِنَّمَا يَقْطَعُهَا عَنْهُ أَنْ يَعْلَمَ فَيَتْرُكَ الشُّفْعَةَ مُدَّةً يُمْكِنُهُ أَخْذُهَا فِيهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِوَكِيلِهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ثَلاَثَةً مِنْ الْوَلَدِ ثُمَّ وُلِدَ لِأَحَدِهِمْ رَجُلاَنِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلُودُ لَهُ وَدَارُهُمْ غَيْرُ مَقْسُومَةٍ فَبِيعَ مِنْ الْمَيِّتِ حَقُّ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ فَأَرَادَ أَخُوهُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ دُونَ عُمُومَتِهِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ أَصْلُ سَهْمِهِمْ هَذَا فِيهَا وَاحِدٌ، فَلَمَّا كَانَ إذَا قُسِمَ أَصْلُ الْمَالِ كَانَ هَذَانِ شَرِيكَيْنِ فِي الْأَصْلِ دُونَ عُمُومَتِهِمَا فَأَعْطَيْته الشُّفْعَةَ بِأَنَّ لَهُ شِرْكًا دُونَ شِرْكِهِمْ، وَهَذَا قَوْلٌ لَهُ وَجْهٌ وَالثَّانِي‏:‏ أَنْ يَقُولَ أَنَا إذَا ابْتَدَأْت الْقَسْمَ جَعَلْت لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمًا‏.‏

وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ سَهْمِ صَاحِبِهِ فَهُمْ جَمِيعًا شُرَكَاءُ شَرِكَةً وَاحِدَةً فَهُمْ شَرْعٌ فِي الشُّفْعَةِ، وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ فِي الْقِيَاسِ قَالَ‏:‏ وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ ثَلاَثَةٍ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ سُدُسُهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا وَبَاعَ صَاحِبُ الثُّلُثِ فَأَرَادَ شُرَكَاؤُهُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ يَأْخُذُ ثَلاَثَةَ أَسْهُمٍ وَصَاحِبَ السُّدُسِ يَأْخُذُ سَهْمًا عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ مِنْ الدَّارِ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَجْعَلُ الشُّفْعَةَ بِالْمِلْكِ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِلْكًا مِنْ صَاحِبِهِ انْبَغَى بِقَدْرِ كَثْرَةِ مِلْكِهِ، وَلِهَذَا وَجْهٌ‏.‏

وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ إنَّهُمَا فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ وَبِهَذَا الْقَوْلِ أَقُولُ، أَلاَ تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَمْلِكُ شُفْعَةً مِنْ الدَّارِ فَيُبَاعُ نِصْفُهَا، أَوْ مَا خَلاَ حَقَّهُ مِنْهَا فَيُرِيدُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ وَيُقَالُ لَهُ خُذْ الْكُلَّ، أَوْ دَعْ فَلَمَّا كَانَ حُكْمُ قَلِيلِ الْمَالِ فِي الشُّفْعَةِ حُكْمَ كَثِيرِهِ كَانَ الشَّرِيكَانِ إذَا اجْتَمَعَا فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءً؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمِلْكِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ‏.‏

مَا لاَ يَقَعُ فِيهِ شُفْعَةٌ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ عُثْمَانَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لاَ شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا بَيَاضٌ يَحْتَمِلُ مَقْسَمٍ أَوْ تَكُونَ وَاسِعَةً مُحْتَمِلَةً لاََنْ تُقْسَمَ فَتَكُونَ بِئْرَيْنِ وَيَكُونَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَيْنٌ، أَوْ تَكُونَ الْبِئْرُ بَيْضَاءَ فَيَكُونَ فِيهَا شُفْعَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْقَسْمَ قَالَ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الَّتِي لاَ تُمْلَكُ فَلاَ شُفْعَةَ فِيهَا، وَلاَ بِهَا‏.‏

وَأَمَّا عَرْصَةُ الدَّارِ تَكُونُ بَيْنَ الْقَوْمِ مُحْتَمِلَةٌ؛ لاََنْ تَكُونَ مَقْسُومَةً وَلِلْقَوْمِ طَرِيقٌ إلَى مَنَازِلِهِمْ، فَإِذَا بِيعَ مِنْهَا شَيْءٌ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ شِقْصًا فِي دَارٍ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ وَالْمُبْتَاعَ فَلاَ شُفْعَةَ حَتَّى يُسَلِّمَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ عَقْدٌ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ بِرِضَاهُ وَجُعِلَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَفِيهَا الشُّفْعَةُ قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنْ لاَ شُفْعَةَ فِيهَا حَتَّى يَخْتَارَ الْمُشْتَرِي، أَوْ تَمْضِيَ أَيَّامُ الَّذِي كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فَيَتِمُّ لَهُ الْبَيْعُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ مُنِعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْخِيَارِ الَّذِي كَانَ لَه‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ دَارٌ فَاسْتَغَلَّهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بِمِلْكٍ مُتَقَدِّمٍ رَجَعَ الْمُسْتَحِقُّ، عَلَى الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ وَالْأَرْضُ بِجَمِيعِ الْغَلَّةِ مِنْ يَوْمِ ثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ وَثُبُوتُهُ يَوْمَ شَهِدَ شُهُودُهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ، لاَ يَوْمَ يُقْضَى لَهُ بِهِ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لاَ مَعْنَى لِلْحُكْمِ الْيَوْمَ إلَّا مَا ثَبَتَ يَوْمَ شَهِدَ شُهُودُهُ، وَإِنَّمَا تُمْلَكُ الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ فِي الْمِلْكِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ فِي الْمِلْكِ حَدَثَتْ مِنْ شَيْءٍ الْمَالِكُ كَانَ يَمْلِكُهُ لاَ غَيْرُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ شِقْصًا لِغَيْرِهِ فِيهِ شُفْعَةٌ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ الثَّمَنَ بِنِسْيَانٍ أُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا تَثَبَّتَ الثَّمَنَ، وَلاَ شُفْعَةَ إلَى أَنْ يُقِيمَ الْمُسْتَشْفِعُ بَيِّنَةً فَيُؤْخَذَ لَهُ بِبَيِّنَتِهِ وَسَوَاءٌ قَدْ تَمَّ الشِّرَاءُ وَحَدِيثُهُ؛ لِأَنَّ الذِّكْرَ قَدْ يَكُونُ فِي الدَّهْرِ الطَّوِيلِ، وَالنِّسْيَانَ قَدْ يَكُونُ فِي الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ حِصَّةٌ فِي دَارٍ فَمَاتَ شَرِيكُهُ، وَهُوَ غَائِبٌ فَبَاعَ وَرَثَتُهُ قَبْلَ الْقَسْمِ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَلاَ يَقْطَعُ ذَلِكَ الْقَسْمَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ شَرِيكًا لَهُمْ غَيْرَ مُقَاسِمٍ

باب الْقِرَاض

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ إذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَالاً قِرَاضًا فَأَدْخَلَ مَعَهُ رَبُّ الْمَالِ غُلاَمَهُ وَشَرَطَ الرِّبْحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقَارِضِ وَغُلاَمِ رَبِّ الْمَالِ فَكُلُّ مَا مَلَكَ غُلاَمُهُ فَهُوَ مِلْكٌ لَهُ لاَ مِلْكٌ لِغُلاَمِهِ إنَّمَا مِلْكُ الْعَبْدِ شَيْءٌ يُضَافُ إلَيْهِ لاَ مِلْكٌ صَحِيحٌ فَهُوَ كَرَجُلٍ شَرَطَ لَهُ ثُلُثَيْ الرِّبْحِ وَلِلْمُقَارِضِ ثُلُثَهُ‏.‏

مَا لاَ يَجُوزُ مِنْ الْقِرَاضِ فِي الْعُرُوضِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ خِلاَفَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ مِنْ الْبُيُوعِ مَا يَجُوزُ إذَا تَفَاوَتَ أَمَدُهُ وَتَفَاحَشَ، وَإِنْ تَقَارَبَ رَدُّهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ كُلُّ قِرَاضٍ كَانَ فِي أَصْلِهِ فَاسِدًا فَلِلْمُقَارِضِ الْعَامِلِ فِيهِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلِرَبِّ الْمَالِ الْمَالُ وَرِبْحُهُ؛ لِأَنَّا إذَا أَفْسَدْنَا الْقِرَاضَ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ إجَارَةَ قِرَاضٍ وَالْقِرَاضُ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْإِجَارَةِ إلَّا بِأَمْرٍ مَعْلُومٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْبُيُوعُ وَجْهَانِ‏:‏ حَلاَلٌ لاَ يُرَدُّ، وَحَرَامٌ يُرَدُّ‏.‏ وَسَوَاءٌ تَفَاحَشَ رَدُّهُ، أَوْ تَبَاعَدَ وَالتَّحْرِيمُ مِنْ وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ خَبَرٌ لاَزِمٌ، وَالْآخَرُ‏:‏ قِيَاسٌ‏.‏ وَكُلُّ مَا قِسْنَاهُ حَلاَلاً حَكَمْنَا لَهُ حُكْمَ الْحَلاَلِ فِي كُلِّ حَالاَتِهِ وَكُلُّ مَا قِسْنَاهُ حَرَامًا حَكَمْنَا لَهُ حُكْمَ الْحَرَامِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ نَرُدَّ شَيْئًا حَرَّمْنَاهُ قِيَاسًا مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ يَوْمِهِ، وَلاَ نَرُدَّهُ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ الْحَرَامُ لاَ يَكُونُ حَلاَلاً بِطُولِ السِّنِينَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ حَرَامًا وَحَلاَلاً بِالْعَقْدِ‏.‏

الشَّرْطُ فِي الْقِرَاضِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ لاَ يَجُوزُ أَنْ أُقَارِضَك بِالشَّيْءِ جُزَافًا لاَ أَعْرِفُهُ، وَلاَ تَعْرِفُهُ فَلَمَّا كَانَ هَكَذَا لَمْ يَحُزْ أَنْ أُقَارِضَك إلَى مُدَّةٍ مِنْ الْمُدَدِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنِّي لَوْ دَفَعْت إلَيْك أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِهَا سَنَةً فَبِعْت بِهَا وَاشْتَرَيْت فِي شَهْرٍ بَيْعًا فَرَبِحَتْ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ اشْتَرَيْت بِهَا كُنْت قَدْ اشْتَرَيْت بِمَالِي وَمَالِك غَيْرَ مُفَرِّقٍ، وَلَعَلِّي لاَ أَرْضَى بِشَرِكَتِك فِيهِ وَاشْتَرَيْت بِرَأْسِ مَالٍ لِي لاَ أَعْرِفُهُ لَعَلِّي لَوْ نَضَّ لِي لَمْ آمَنْك عَلَيْهِ، أَوْ لاَ أُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ عَنِّي كُلَّهُ فَيَجْمَعَ أَنْ يَكُونَ الْقِرَاضُ مَجْهُولاً عِنْدِي؛ لِأَنِّي لَمْ أَعْرِفْ كَمْ رَأْسُ مَالِي وَنَحْنُ لَمْ نُجِزْهُ بِجُزَافٍ وَيَجْمَعَ أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الْجُزَافِ أَنِّي قَدْ رَضِيت بِالْجُزَافِ، وَلَمْ أَرْضَ بِأَنْ أُقَارِضَك بِهَذَا الَّذِي لَمْ أَعْرِفْهُ‏.‏

وَفِي باب الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ مِنْ اخْتِلاَفِ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ الْهِبَةَ وَقَبَضَهَا دَارًا، أَوْ أَرْضًا ثُمَّ عَوَّضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهَا عِوَضًا وَقَبَضَ الْوَاهِبُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَلاَ تَكُونُ فِيهِ شُفْعَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ بِقِيمَةِ الْعِوَضِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ الْوَاهِبُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الْعِوَضِ فِي قَوْلِهِمَا جَمِيعًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ شِقْصًا مِنْ دَارٍ فَقَبَضَهُ ثُمَّ عَوَّضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ شَيْئًا فَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ سُئِلَ الْوَاهِبُ فَإِنْ قَالَ‏:‏ وَهَبْتهَا لِلثَّوَابِ كَانَ فِيهَا شُفْعَةٌ، وَإِنْ قَالَ وَهَبْتهَا لِغَيْرِ ثَوَابٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شُفْعَةٌ وَكَانَتْ الْمُكَافَأَةُ كَابْتِدَاءِ الْهِبَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ لِلْوَاهِبِ الثَّوَابُ إذَا قَالَ أَرَدْته، فَأَمَّا مَنْ قَالَ‏:‏ لاَ ثَوَابَ لِلْوَاهِبِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْهِبَةِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي شَيْءٍ وَهَبَهُ، وَلاَ الثَّوَابُ مِنْهُ قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إذَا وَهَبَ وَاشْتَرَطَ الثَّوَابَ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ اشْتَرَطَ عِوَضًا مَجْهُولاً، وَإِذَا وَهَبَ لِغَيْرِ الثَّوَابِ وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ وَهَبَهُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏.‏

السَّلَفُ فِي الْقِرَاضِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَالاً قِرَاضًا وَأَبْضَعَ مِنْهُ بِضَاعَةً فَإِنْ كَانَ عَقَدَ الْقِرَاضَ عَلَى أَنَّهُ يَحْمِلُ لَهُ الْبِضَاعَةَ فَالْقِرَاضُ فَاسِدٌ يُفْسَخُ إنْ لَمْ يَعْمَلْ فِيهِ فَإِنْ عَمِلَ فِيهِ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَالرِّبْحُ لِصَاحِبِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَا تَقَارَضَا، وَلَمْ يَشْرِطَا مِنْ هَذَا شَيْئًا ثُمَّ حَمَلَ الْمُقَارِضُ لَهُ بِضَاعَةً فَالْقِرَاضُ جَائِزٌ، وَلاَ يُفْسَخُ بِحَالٍ غَيْرَ أَنَّا نَأْمُرُهُمَا فِي الْفُتْيَا أَنْ لاَ يَفْعَلاَ هَذَا عَلَى عَادَةٍ، وَلاَ لِعِلَّةٍ مِمَّا اُعْتُلَّ بِهِ، وَلَوْ عَادَا لِمَا ذَكَرْنَا كَرِهْنَاهُ لَهُمَا، وَلَمْ نُفْسِدْ بِهِ الْقِرَاضَ، وَلاَ نُفْسِدُ الْعَقْدَ الَّذِي يَحِلُّ بِشَيْءٍ تَطَوُّعًا بِهِ، وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةُ الْعُقْدَةِ، وَلاَ نُطْرِ إنَّمَا تَفْسُدُ بِمَا عُقِدَتْ عَلَيْهِ إلَّا بِمَا حَدَثَ بَعْدَهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَكْرَهُ مِنْهُ مَا كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مَالاً قِرَاضًا ثُمَّ يَسْأَلَ صَاحِبَ الْمَالِ أَنْ يُسْلِفَهُ إيَّاهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنَّمَا كَرِهْته مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ الْمُقَارِضُ مِنْ ضَمَانِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْ الْمُسْلِفُ كَمْ أَسْلَفَ مِنْ أَجْلِ الْخَوْفِ‏.‏ الْمُحَاسَبَةُ فِي الْقِرَاضِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَهَذَا كُلُّهُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ إلَّا قَوْلَهُ يُحْضِرُ الْمَالَ حَتَّى يُحَاسِبَهُ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ صَادِقًا فَلاَ يَضُرُّهُ يُحْضِرُ الْمَالَ، أَوْ لاَ يُحْضِرُهُ‏.‏

مَسْأَلَةُ الْبِضَاعَةِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ قَالَ إذَا أَبْضَعَ الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ بِبِضَاعَةٍ وَتَعَدَّى فَاشْتَرَى بِهَا شَيْئًا فَإِنْ هَلَكَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ وَضَعَ فِيهَا فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ لِصَاحِبِ الْمَالِ كُلُّهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ تَرْكَهُ، فَإِنْ وَجَدَ فِي يَدِهِ السِّلْعَةَ الَّتِي اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ، أَوْ السِّلْعَةَ الَّتِي مُلِكَتْ بِمَالِهِ، فَإِنْ هَلَكَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَضْمَنْ لَهُ إلَّا رَأْسَ الْمَالِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَرْ أَنْ يَمْلِكَهَا فَهُوَ لاَ يَمْلِكُهَا إلَّا بِاخْتِيَارِهِ أَنْ يَمْلِكَهَا‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّى فَاشْتَرَى شَيْئًا بِالْمَالِ بِعَيْنِهِ فَرَبِحَ فِيهِ فَالشِّرَاءُ بَاطِلٌ وَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ، وَإِنْ اشْتَرَى بِمَالٍ لاَ بِعَيْنِهِ ثُمَّ نَقَدَ الْمَالَ فَهُوَ مُتَّحِدٌ بِالنَّقْدِ، وَالرِّبْحُ لَهُ وَالْخَسْرَانُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ مِثْلُ الْمَالِ الَّذِي تَعَدَّى فِيهِ فَنَقَدَهُ وَلِصَاحِبِ الْمَالِ إنْ وَجَدَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهُ فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ فَصَاحِبُ الْمَالِ مُخَيَّرٌ إنْ أَحَبَّ أَخَذَهُ مِنْ الدَّافِعِ، وَهُوَ الْمُقَارِضُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَخَذَهُ مِنْ الَّذِي تَلِفَ فِي يَدِهِ، وَهُوَ الْبَائِعُ‏.‏

الْمُسَاقَاةُ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى قَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي‏.‏ أَنْ يَخْرُصَ النَّخْلَ كَأَنَّهُ خَرَصَهَا مِائَةَ وَسْقٍ وَعَشَرَةَ أَوْسُقٍ وَقَالَ إذَا صَارَتْ تَمْرًا نَقَصَتْ عَشْرَةَ أَوْسُقٍ فَصَحَّتْ مِنْهَا مِائَةُ وَسْقٍ تَمْرًا فَيَقُولُ إنْ شِئْتُمْ دَفَعْت إلَيْكُمْ النِّصْفَ الَّذِي لَيْسَ لَكُمْ الَّذِي أَنَا قَيِّمٌ بِحَقِّ أَهْلِهِ عَلَى أَنْ تَضْمَنُوا لِي خَمْسِينَ وَسْقًا تَمْرًا مِنْ تَمْرٍ يُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ وَلَكُمْ أَنْ تَأْكُلُوهَا وَتَبِيعُوهَا رُطَبًا كَيْفَ شِئْتُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي أَكُونُ هَكَذَا فِي نَصِيبِكُمْ فَأُسْلِمُ وَتُسْلِمُونَ إلَيَّ أَنْصِبَاءَكُمْ وَأَضْمَنُ لَكُمْ هَذِهِ الْمَكِيلَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا كَانَ الْبَيَاضُ بَيْنَ أَضْعَافِ النَّخْلِ جَازَ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ كَمَا يَجُوزُ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا عَنْ النَّخْلِ لَهُ طَرِيقٌ غَيْرُهُ لَمْ تَجُزْ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ، وَلَمْ تَصِحَّ إلَّا أَنْ يَكْتَرِيَ كِرَاءً، وَسَوَاءٌ قَلِيلُ ذَلِكَ وَكَثِيرُهُ، وَلاَ حَدَّ فِيهِ إلَّا مَا وَصَفْت وَلَيْسَ لِلْمُسَاقِي فِي النَّخْلِ أَنْ يَزْرَعَ الْبَيَاضَ إلَّا بِإِذْنِ مَالِك النَّخْلِ، وَإِنْ زَرَعَهَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ، وَهُوَ كَمَنْ زَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَانَ دَخَلَ عَلَى الْإِجَارَةِ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ وَيَحْفَظَ بِأَنَّ لَهُ شَيْئًا مِنْ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُ التَّمْرِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ دَخَلَ عَلَى أَنْ يَتَكَلَّفَ مِنْ الْمُؤْنَةِ شَيْئًا غَيْرَ عَمَلِ يَدَيْهِ وَتَكُونَ أُجْرَتُهُ شَيْئًا مِنْ الثِّمَارِ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً فَإِنْ كَانَ دَخَلَ فِي الْمُسَاقَاةِ فِي الْحَالَيْنِ مَعًا وَرَضِيَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ شَيْئًا فَلاَ بَأْسَ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى هَذَا قَالَ وَكُلُّ مَا كَانَ مُسْتَزَادًا فِي الثَّمَرَةَ مِنْ إصْلاَحٍ لِلْمَارِّ وَطَرِيقِ الْمَاءِ وَتَصْرِيفِ الْجَرِيدِ وَإِبَارِ النَّخْلِ وَقَطْعِ الْحَشِيشِ الَّذِي يَضُرُّ بِالنَّخْلِ أَوْ يُنْشِفُ عَنْهُ الْمَاءَ حَتَّى يَضُرَّ بِثَمَرَتِهَا شَرَطَهُ عَلَى الْمُسَاقَاةِ‏.‏

وَأَمَّا سَدُّ الْحِظَارِ فَلَيْسَ فِيهِ مُسْتَزَادٌ لِإِصْلاَحٍ فِي الثَّمَرَةِ، وَلاَ يَصْلُحُ شَرْطُهُ عَلَى الْمُسَاقِي فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَإِنْ أَصْلَحَ لِلنَّخْلِ أَنْ يُسَدَّ الْحِظَارُ فَكَذَلِكَ أَصْلَحُ لَهَا أَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا حِظَارٌ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ لاَ يُجِيزُهُ فِي الْمُسَاقَاةِ وَلَيْسَ هَذَا الْإِصْلاَحُ مِنْ الِاسْتِزَادَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ النَّخْلِ إنَّمَا هُوَ دَفْعُ الدَّاخِلِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ فِيهِمَا بِالْخَرْصِ وَسَاقَى عَلَى النَّخْلِ وَثَمَرُهَا مُجْتَمِعٌ لاَ حَائِلَ دُونَهُ وَلَيْسَ هَكَذَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَرِ كُلِّهِ دُونَهُ حَائِلٌ، وَهُوَ مُتَفَرِّقٌ غَيْرُ مُجْتَمِعٍ، وَلاَ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي شَيْءٍ غَيْرِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَهِيَ فِي الزَّرْعِ أَبْعَدُ مِنْ أَنْ تَجُوزَ، وَلَوْ جَازَتْ إذَا عَجَزَ عَنْهُ صَاحِبُهُ جَازَتْ إذَا عَجَزَ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَنْ زَرْعِهَا أَنْ يُزَارِعَ فِيهَا عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا‏.‏

وَقَالَ‏:‏ إذَا أَجَزْنَا الْمُسَاقَاةَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ ثَمَرًا بِتَرَاضِي رَبِّ الْمَالِ وَالْمُسَاقِي فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ، وَقَدْ تُخْطِئُ الثَّمَرَةُ فَيَبْطُلُ عَمَلُ الْعَامِلِ وَتَكْثُرُ فَيَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ عَمَلِهِ أَضْعَافًا كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ إذَا بَدَا صَلاَحُ الثَّمَرِ وَحَلَّ بَيْعُهُ وَظَهَرَ أَجْوَزُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسَاقَاةَ فَأَجَزْنَاهَا بِإِجَازَتِهِ وَحَرَّمَ كِرَاءَ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَحَرَّمْنَاهَا بِتَحْرِيمِهِ، وَإِنْ كَانَا قَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّهُ إنَّمَا لِلْعَامِلِ فِي كُلٍّ بَعْضُ مَا يُخْرِجُ النَّخْلُ، أَوْ الْأَرْضُ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي سُنَّتِهِ إلَّا اتِّبَاعُهَا، وَقَدْ يَفْتَرِقَانِ فِي أَنَّ النَّخْلَ شَيْءٌ قَائِمٌ مَعْرُوفٌ أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْهُ أَنَّهُ يُثْمِرُ وَمِلْكُ النَّخْلِ لِصَاحِبِهِ وَالْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ لاَ شَيْءَ فِيهَا قَائِمًا إنَّمَا يَحْدُثُ فِيهَا شَيْءٌ بَعْدُ لَمْ يَكُنْ، وَقَدْ أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ الْمُضَارَبَةَ فِي الْمَالِ يَدْفَعُهُ رَبُّهُ فَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ بَعْضُ الْفَضْلِ، وَالنَّخْلُ أَبْيَنُ وَأَقْرَبُ مِنْ الْأَمَانِ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَكُلٌّ قَدْ يُخْطِئُ وَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ، وَلَمْ يُجِزْ الْمُسْلِمُونَ أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ إلَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ، وَدَلَّتْ السُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أَنَّ الْإِجَارَاتِ إنَّمَا هِيَ شَيْءٌ لَمْ يُعْلَمْ إنَّمَا هُوَ عَمَلٌ يَحْدُثُ لَمْ يَكُنْ حِينَ اسْتَأْجَرَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا سَاقَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَ فَكَانَ فِيهِ بَيَاضٌ لاَ يُوصَلُ إلَى عَمَلِهِ إلَّا بِالدُّخُولِ عَلَى النَّخْلِ فَكَانَ لاَ يُوصَلُ إلَى سَقْيِهِ إلَّا بِشُرْبِ النَّخْلِ الْمَاءَ وَكَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ يَدْخُلُ فَيَسْقِي وَيَدْخُلُ عَلَى النَّخْلِ جَازَ أَنْ يُسَاقِي عَلَيْهِ مَعَ النَّخْل لاَ مُنْفَرِدًا وَحْده، وَلَوْلاَ الْخَبَرُ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ دَفَعَ إلَى أَهْلِ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّ لَهُمْ النِّصْفَ مِنْ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ وَلَهُ النِّصْفُ فَكَانَ الزَّرْعُ كَمَا وَصَفْت بَيْنَ ظَهْرَانَيْ النَّخْلِ لَمْ يَجُزْ فَأَمَّا إذَا انْفَرَدَ فَكَانَ بَيَاضًا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى النَّخْلِ فَلاَ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِيهِ قَلِيلاً كَانَ، أَوْ كَثِيرًا، وَلاَ يَحِلُّ فِيهِ إلَّا الْإِجَارَةُ‏.‏

الشَّرْطُ فِي الرَّقِيقِ وَالْمُسَاقَاةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ سَاقَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، وَالْمُسَاقُونَ عُمَّالُهَا لاَ عَامِلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا غَيْرُهُمْ، وَإِذَا كَانَ يَجُوزُ لِلْمُسَاقِي أَنْ يُسَاقِيَ نَخْلاً عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ عُمَّالُ الْحَائِطِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْحَائِطِ رَضِيَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يَشْتَرِطَ رَقِيقًا لَيْسُوا فِي الْحَائِطِ يَعْمَلُونَ فِيهِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ مَنْ فِيهِ وَعَمَلَ مَنْ لَيْسَ فِيهِ سَوَاءٌ، وَإِنْ لَمْ تَجُزْ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ عَلَى الدَّخْلِ فِي الْمُسَاقَاةِ الْعَمَلُ كُلُّهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْحَائِطِ أَحَدٌ مِنْ رَقِيقِهِ وَجَوَازُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَشْبَهِ الْأُمُورِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَنَفَقَةُ الرَّقِيقِ عَلَى مَا تَشَارَطَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَتِهِمْ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَعْمَلُوا لِلْمُسَاقِي بِغَيْرِ أُجْرَةٍ جَازَ أَنْ يَعْمَلُوا لَهُ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ‏.‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الْمُزَارَعَةُ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ تَجُوزَ الْمُعَامَلَةُ فِي النَّخْلِ عَلَى الشَّيْءِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا وَذَلِكَ اتِّبَاعٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ الْأَصْلَ مَوْجُودٌ يَدْفَعُهُ مَالِكُهُ إلَى مَنْ عَامَلَهُ عَلَيْهِ أَصْلاً يَتَمَيَّزُ لِيَكُونَ لِلْعَامِلِ بِعَمَلِهِ الْمُصْلِحِ لِلنَّخْلِ بَعْضُ الثَّمَرَةِ وَلِرَبِّ الْمَالِ بَعْضُهَا، وَإِنَّمَا أَجَزْنَا الْمُقَارَضَةَ قِيَاسًا عَلَى الْمُعَامَلَةِ عَلَى النَّخْلِ وَوَجَدْنَا رَبَّ الْمَالِ يَدْفَعُ مَالَهُ إلَى الْمُقَارِضِ يَعْمَلُ فِيهِ الْمُقَارِضُ فَيَكُونُ لَهُ بِعَمَلِهِ بَعْضُ الْفَضْلِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَالِ الْمُقَارَضَةِ لَوْلاَ الْقِيَاسُ عَلَى السُّنَّةِ وَالْخَبَرِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما بِإِجَازَتِهَا أَوْلَى أَنْ لاَ تَجُوزَ مِنْ الْمُعَامَلَةِ عَلَى النَّخْلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ لاَ يَكُونُ فِي الْمَالِ فَضْلٌ كَبِيرٌ، وَقَدْ يَخْتَلِفُ الْفَضْلُ فِيهِ اخْتِلاَفًا مُتَبَايِنًا وَأَنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ قَلَّمَا يَتَخَلَّفُ وَقَلَّمَا يَخْتَلِفُ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ تَقَارَبَ اخْتِلاَفُهَا، وَإِنْ كَانَا قَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّهُمَا مَغِيبَانِ مَعًا يَكْثُرُ الْفَضْلُ فِيهِمَا وَيَقِلُّ وَيَخْتَلِفُ‏.‏

وَتَدُلُّ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لاَ تَجُوزَ الْمُزَارَعَةُ عَلَى الثُّلُثِ، وَلاَ الرُّبُعِ، وَلاَ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَزَارِعَ يَقْبِضُ الْأَرْضَ بَيْضَاءَ لاَ أَصْلَ فِيهَا، وَلاَ زَرْعَ ثُمَّ يَسْتَحْدِثُ فِيهَا زَرْعًا وَالزَّرْعُ لَيْسَ بِأَصْلٍ وَاَلَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْمُزَارَعَةِ الْإِجَارَةُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ شَيْئًا إلَّا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ يَعْلَمَانِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَهُ الْمُسْتَأْجَرُ لِمَا وَصَفْت مِنْ السُّنَّةِ وَخِلاَفُهَا لِلْأَصْلِ وَالْمَالُ يُدْفَعُ، وَهَذَا إذَا كَانَ النَّخْلُ مُنْفَرِدًا وَالْأَرْضُ لِلزَّرْعِ مُنْفَرِدَةً‏.‏

وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُرُوضِ كَمَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْمَنَازِلِ وَإِجَارَةُ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ، وَإِذَا كَانَ النَّخْلُ مُنْفَرِدًا فَعَامَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَشَرَطَ أَنْ يَزْرَعَ مَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ النَّخْلِ عَلَى الْمُعَامَلَةِ وَكَانَ مَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ النَّخْلِ لاَ يُسْقَى إلَّا مِنْ مَاءِ النَّخْلِ، وَلاَ يُوصَلُ إلَيْهِ إلَّا مِنْ حَيْثُ يُوصَلُ إلَى النَّخْلِ كَانَ هَذَا جَائِزًا وَكَانَ فِي حُكْمِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَمَنَافِعِهَا مِنْ الْجَرِيدِ وَالْكَرَانِيفِ، وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ مُنْفَرِدًا عَنْ النَّخْلِ لَهُ طَرِيقٌ يُؤْتَى مِنْهَا، أَوْ مَاءٌ يُشْرَبُ مَتَى شَرِبَهُ لاَ يَكُونُ شِرْبُهُ رَيًّا لِلنَّخْلِ، وَلاَ شِرْبُ النَّخْلِ رَيًّا لَهُ لَمْ تَحِلَّ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهِ وَجَازَتْ إجَارَتُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُزَارَعَةِ لاَ حُكْمِ الْمُعَامَلَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَسَوَاءٌ قَلَّ الْبَيَاضُ فِي ذَلِكَ، أَوْ كَثُرَ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت، وَهَذَا مُزَارِعُهُ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ كَانَتْ خَيْبَرُ نَخْلاً وَكَانَ الزَّرْعُ فِيهَا كَمَا وَصَفْت فَعَامَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَهَا عَلَى الشَّطْرِ مِنْ الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ وَنَهَى فِي الزَّرْعِ الْمُنْفَرِدِ عَنْ الْمُعَامَلَةِ فَقُلْنَا فِي ذَلِكَ اتِّبَاعًا وَأَجَزْنَا مَا أَجَازَ وَرَدَدْنَا مَا رَدَّ وَفَرَّقْنَا بِفَرْقِهِ عليه الصلاة والسلام بَيْنَهُمَا وَمَا بِهِ يَفْتَرِقَانِ مِنْ الِافْتِرَاقِ، أَوْ بِمَا وَصَفْت فَلاَ يَحِلُّ أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةُ النَّخْلِ سِنِينَ بِذَهَبٍ، وَلاَ فِضَّةٍ، وَلاَ غَيْرِ ذَلِكَ‏.‏

أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ‏:‏ نَهَيْت ابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ مَعْلُومَةً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اشْتَرَكَ الرَّجُلاَنِ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا الْأَرْضُ وَمِنْ عِنْدِهِمَا مَعًا الْبَذْرُ وَمِنْ عِنْدِهِمَا مَعًا الْبَقَرُ أَوْ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ تَعَامَلاَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَا، أَوْ يَزْرَعَ أَحَدُهُمَا فَمَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا لِلْآخَرِ فَلاَ تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ فِي هَذَا إلَّا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ أَنْ يَبْذُرَا مَعًا وَيَمُونَانِ الزَّرْعَ مَعًا بِالْبَقَرِ وَغَيْرِهِ مُؤْنَةً وَاحِدَةً وَيَكُونَ رَبُّ الْأَرْضِ مُتَطَوِّعًا بِالْأَرْضِ لِرَبِّ الزَّرْعِ، فَأَمَّا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الزَّارِعُ يَحْفَظُ أَوْ يَمُونُ بِقَدْرِهِ مَا سَلَّمَ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ فَيَكُونُ الْبَقَرُ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ الْآلَةُ، أَوْ الْحِفْظُ، أَوْ مَا يَكُونُ صَلاَحًا مِنْ صَلاَحِ الزَّرْعِ فَالْمُعَامَلَةُ عَلَى هَذَا فَاسِدَةٌ فَإِنْ تَرَافَعَاهَا قَبْلَ أَنْ يَعْمَلاَ فُسِخَتْ، وَإِنْ تَرَافَعَاهَا بَعْدَمَا يَعْمَلاَنِ فُسِخَتْ وَسُلِّمَ الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا مَعًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَهُوَ لِلَّذِي لَهُ الْبَذْرُ وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ كِرَاءُ مِثْلِهَا، وَإِذَا كَانَ الْبَقَرُ مِنْ الْعَامِلِ، أَوْ الْحِفْظُ، أَوْ الْإِصْلاَحُ لِلزَّرْعِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الْبَذْرِ شَيْءٌ أَعْطَيْنَاهُ مِنْ الطَّعَامِ حِصَّتَهُ وَرَجَعَ الْحَافِظُ وَصَاحِبُ الْبَقَرِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ بِقَدْرِ مَا يَلْزَمُ حِصَّتَهُ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ قِيمَةِ عَمَلِ الْبَقَرِ وَالْحِفْظِ وَمَا أَصْلَحَ بِهِ الزَّرْعَ فَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَتَعَامَلاَ مِنْ هَذَا عَلَى أَمْرٍ يَجُوزُ لَهُمَا تَعَامَلاَ عَلَى مَا وَصَفْت أَوَّلاً، وَإِنْ أَرَادَا أَنْ يُحْدِثَا غَيْرَهُ تَكَارَى رَبُّ الْأَرْضِ مِنْ رَبِّ الْبَقَرِ بَقَرَهُ وَآلَتَهُ وَحِرَاثَهُ أَيَّامًا مَعْلُومَةً بِأَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ نِصْفَ الْأَرْضِ، أَوْ أَكْثَرَ يَزْرَعُهَا وَقْتًا مَعْلُومًا فَتَكُونَ الْإِجَارَةُ فِي الْبَقَرِ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّهَا أَيَّامٌ مَعْلُومُهُ كَمَا لَوْ اُبْتُدِئَتْ إجَارَتُهَا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ وَيَكُونَ مَا أَعْطَاهُ مِنْ الْأَرْضِ بِكِرَاءٍ صَحِيحٍ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ كِرَاءَهُ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ‏.‏

ثُمَّ إنْ شَاءَا أَنْ يَزْرَعَا وَيَكُونَ عَلَيْهِمَا مُؤْنَةُ صَلاَحِ الزَّرْعِ مُسْتَوِيَيْنِ فِيهَا حَتَّى يَقْسِمَا الزَّرْعَ كَانَ هَذَا جَائِزًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَرَعَ أَرْضًا لَهُ زَرْعُهَا وَيَبْذُرُ لَهُ فِيهَا مَا أَخْرَجَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَضْلاً عَنْ بَذْرِهِ، وَلاَ فَضْلاً فِي الْحِفْظِ فَتَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْإِجَارَةُ فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ قَدْ انْعَقَدَتْ عَلَى مَا يَحِلُّ مِنْ الْمَعْلُومِ وَمَا لاَ يَحِلُّ مِنْ الْمَجْهُولِ فَيَكُونُ فَاسِدًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ لَوْ كَانَ كِرَاءُ الْأَرْضِ عِشْرِينَ دِينَارًا وَكِرَاءُ الْبَقَرِ دِينَارًا أَوْ مِائَةَ دِينَارٍ فَتَرَاضَيَا بِهَذَا كَمَا لاَ يَكُونُ بَأْسٌ بِأَنْ أُكْرِيكَ بَقَرِي وَقِيمَةُ كِرَائِهَا مِائَةُ دِينَارٍ بِأَنْ يُخَلَّى بَيْنِي وَبَيْنَ أَرْضٍ أَزْرَعُهَا سَنَةً قِيمَةُ كِرَائِهَا دِينَارٌ، أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعٌ، وَلاَ بَأْسَ بِالتَّغَابُنِ فِي الْبُيُوعِ، وَلاَ فِي الْإِجَارَاتِ، وَإِنْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ الْبَقَرَ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا وَالْأَرْضَ مِنْ عِنْدِ الْآخَرِ كَانَ كِرَاءُ الْأَرْضِ كَكِرَاءِ الْبَقَرِ، أَوْ أَقَلَّ وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا فَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ حَتَّى يَكُونَ عَقْدُهَا عَلَى اسْتِئْجَارِ الْبَقَرِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً وَعَمَلاً مَعْلُومًا بِأَرْضٍ مَعْلُومَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَرْثَ يَخْتَلِفُ فَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَجُودُ وَيَسُوءُ، وَلاَ يَصْلُحُ إلَّا بِمِثْلِ مَا تَصْلُحُ بِهِ الْإِجَارَاتُ عَلَى الِانْفِرَادِ، فَإِذَا زَرَعَا عَلَى هَذَا وَالْبَذْرُ مِنْ عِنْدِهِمَا فَالْبَذْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْبَقَرِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَرْضِ بِقَدْرِ مَا أَصَابَهَا مِنْ الْعَمَلِ وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ بِحِصَّةِ كِرَاءِ مَا زَرَعَ مِنْ أَرْضِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ الزَّرْعُ، أَوْ عُلَّ، أَوْ احْتَرَقَ فَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ الشَّيْءُ‏.‏

الْإِجَارَةُ وَكِرَاءُ الْأَرْضِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لاَ بَأْسَ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ وَوَكِيلُ الصَّدَقَةِ، أَوْ الْإِمَامُ الْأَرْضَ الْمَوْقُوفَةَ أَرْضَ الْفَيْءِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طَعَامٍ مَوْصُوفٍ يَقْبِضُهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا أَجَرَهَا بِهِ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ أَجَلاً مَعْلُومًا وَأَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجَلٌ مَعْلُومٌ وَالْإِجَارَةُ فِي هَذَا مُخَالِفَةٌ لِمَا سِوَاهَا غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ إذَا اكْتَرَيْت أَرْضًا بِشَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِثْلُهُ مِنْ مِثْلِهَا أَنْ يَقْبِضَ، وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ لَمْ أُفْسِدْ الْكِرَاءَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ إنَّمَا يَصْلُحُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا بِطَعَامٍ مَوْصُوفٍ وَهَذِهِ صِفَةٌ بِلاَ عَيْنٍ، فَقَدْ لاَ تُخْرِجُ مِنْ تِلْكَ الصِّفَةِ، وَقَدْ تُخْرِجُهَا وَيَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُعْطِيَهُ تِلْكَ الصِّفَةَ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ بِصِفَةٍ فَلاَ بَأْسَ مِنْ أَيْنَ أَعْطَاهُ، وَهَذَا خِلاَفُ الْمُزَارَعَةِ الْمُزَارَعَةُ أَنْ تُكْرِيَ الْأَرْضَ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا ثُلُثٌ أَوْ رُبُعٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، وَقَدْ يَخْرُجُ ذَلِكَ قَلِيلاً وَكَثِيرًا فَاسِدًا وَصَحِيحًا وَهَذَا فَاسِدٌ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا تَقَبَّلَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ مِنْ الرَّجُلِ سِنِينَ ثُمَّ أَعَارَهَا رَجُلاً، أَوْ أَكْرَاهَا إيَّاهُ فَزَرَعَ فِيهَا الرَّجُلُ فَالْعُشْرُ عَلَى الزَّارِعِ وَالْقَبَالَةُ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ، وَهَكَذَا أَرْضُ الْخَرَاجِ إذَا تَقَبَّلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْوَالِي فَقَبَالَتهَا عَلَيْهِ فَإِنْ زَرَعَهَا غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ بِعَارِيَّةٍ، أَوْ كِرَاءٍ فَالْعَشْرُ عَلَى الزَّرَّاعِ وَالْقَبَالَةُ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ، وَلَوْ كَانَ الْمُتَقَبِّلُ زَرَعَهَا كَانَ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ الْقَبَالَةُ وَالْعُشْرُ فِي الزَّرْعِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَزَرَعَ أَرْضَ الْخَرَاجِ فَلاَ عُشْرَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْضُ صُلْحٍ فَزَرَعَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عُشْرٌ فِي زَرْعِهَا؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ زَكَاةٌ، وَلاَ زَكَاةَ إلَّا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلاَمِ، وَلاَ أَعْرِفُ مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ فِي أَرْضِ السَّوَادِ بِالْعِرَاقِ مِنْ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا وَأَنَّ عَلَيْهِمْ خَرَاجًا فِيهَا فَإِنْ كَانَتْ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ، فَلَوْ عَطَّلَهَا رَبُّهَا، أَوْ هَرَبَ أُخِذَ مِنْهُ خَرَاجُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ صُلْحُهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَيَكُونَ عَلَى مَا صَالَحَ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ شَرَطَ رَبُّ الْأَرْضِ، أَوْ مُتَقَبِّلُهَا، أَوْ وَالِي الْأَرْضِ الْمُتَصَدِّقُ بِهَا أَنَّ الزَّارِعَ لَهَا لَهُ زَرْعُهُ مُسْلِمًا لاَ عُشْرَ عَلَيْهِ فِيهِ فَالْعُشْرُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا مُزَارَعَةٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الزَّارِعِ، وَقَدْ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ، فَإِذَا ضَمِنَ عَنْهُ مَا لاَ يَعْرِفُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فَإِنْ أُدْرِكَتْ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ أُدْرِكَتْ بَعْدَمَا يَزْرَعُ فَلَهُ زَرْعُهُ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ الْأَرْضِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً بِالْأَغْلَبِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ الَّذِي تَكَارَاهَا بِهِ كَانَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِمَّا أَكْرَاهُ بِهِ، أَوْ أَكْثَرَ قَالَ، وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ عَنْوَةً فَتَقَبَّلَهَا رَجُلٌ فَعَجَزَ عَنْ عِمَارَتِهَا وَأَدَاءِ خَرَاجِهَا قِيلَ لَهُ إنْ أَدَّيْت خَرَاجَهَا تُرِكَتْ فِي يَدَيْك، وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّهِ فُسِخَتْ عَنْك وَكُنْت مُفْلِسًا وُجِدَ عَيْنُ الْمَالِ عِنْدَهُ وَدُفِعَتْ إلَى مَنْ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلِلْعَامِلِ عَلَى الْعُشْرِ مِثْلُ مَا لَهُ عَلَى الصَّدَقَاتِ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا صَدَقَةٌ فَلَهُ بِقَدْرِ أَجْرِ مِثْلِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ عَلَى أَيِّهِمَا عَمِلَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا فُتِحَتْ الْأَرْضُ عَنْوَةً فَجَمِيعُ مَا كَانَ عَامِرًا فِيهَا لِلَّذِينَ فَتَحُوهَا وَأَهْلِ الْخُمُسِ فَإِنْ تَرَكُوا حُقُوقَهُمْ مِنْهَا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَذَلِكَ لَهُمْ وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ مَوَاتًا فَهُوَ لِمَنْ أَحْيَاهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ، وَهُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِمَنْ فَتَحَ عَلَيْهِ فَيُمْلَكُ بِمِلْكِهِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ لَهُ»، وَلاَ يُتْرَكُ ذِمِّيٌّ يُحْيِيهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُ لِمَنْ أَحْيَاهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلاَ يَكُونُ لِلذِّمِّيِّ أَنْ يَمْلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مِلْكٌ لِمَنْ أَحْيَاهُ مِنْهُمْ، وَإِذَا كَانَ فَتْحُهَا صُلْحًا فَهُوَ عَلَى مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ‏.‏

كِرَاءُ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ بِكِرَاءِ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْعُرُوضِ وَقَوْلُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَكْثَرُ وَرَافِعٌ لَمْ يُخَالِفْهُ فِي أَنَّ الْكِرَاءَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ لاَ بَأْسَ بِهِ إنَّمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيُ عَنْ كِرَائِهَا بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ الْبَيْضَاءَ بِالتَّمْرِ وَبِكُلِّ ثَمَرَةٍ يَحِلُّ بَيْعُهَا إلَّا أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُكْرِيَهَا بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ‏:‏ إنْ زُرِعَتْ حِنْطَةً كَرِهْت كِرَاءَهَا بِالْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهُ نَهَى أَنْ يَكُونَ كِرَاؤُهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ، وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ كِرَاؤُهَا بِالْحِنْطَةِ، وَإِنْ كَانَتْ إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا مَوْصُوفَةٌ لاَ يَلْزَمُهُ إذَا جَاءَ بِهَا عَلَى صِفَةِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَوْ جَاءَتْ الْأَرْضُ بِحِنْطَةٍ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يُعْطِيَهُ غَيْرَ صِفَتِهِ، وَإِذَا تَعَجَّلَ الْمُكْرِي الْأَرْضَ كِرَاءَهَا مِنْ الْحِنْطَةِ فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْقَوْلَيْنِ مَعًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ تَكُونُ الْمُسَاقَاةُ فِي الْمَوْزِ، وَلاَ الْقَصَبِ، وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهُمَا إلَى أَجَلٍ لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُمَا إلَّا أَنْ يَرَيَا الْقَصَبَ جِزَةً وَالْمَوْزَ بِجَنَاهُ، وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ مَا لَمْ يُخْلَقْ مِنْهُمَا، وَإِذَا لَمْ يَحِلَّ أَنْ يَبِيعَهُمَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَا بِصِفَةٍ لَمْ يَحِلَّ أَنْ يُبَاعَ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُمَا بِصِفَةٍ، وَلاَ غَيْرِ صِفَةٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا كَرِهْنَا وَأَزْيَدَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ قَطُّ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتَكَارَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ لِلزَّرْعِ بِحِنْطَةٍ، أَوْ ذُرَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ، أَوْ لاَ تُنْبِتُهُ مِمَّا يَأْكُلُهُ بَنُو آدَمَ، أَوْ لاَ يَأْكُلُونَهُ مِمَّا تَجُوزُ بِهِ إجَازَةُ الْعَبْدِ وَالدَّارِ إذَا قَبَضَ ذَلِكَ كُلَّهُ قَبْلَ دَفْعِ الْأَرْضِ، أَوْ مَعَ دَفْعِهَا كُلُّ مَا جَازَتْ بِهِ الْإِجَارَةُ فِي الْبُيُوتِ وَالرَّقِيقِ جَازَتْ بِهِ الْإِجَارَةُ فِي الْأَرْضِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَارَعَةِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ فَأَمَّا مَا أَحَاطَ الْعِلْمُ أَنِّي قَدْ قَبَضْته وَدَفَعْت الْأَرْضَ إلَى صَاحِبِهَا فَلَيْسَ فِي مَعْنَى مَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ إنَّمَا مَعْنَى مَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ بِشَيْءٍ قَدْ يَكُونُ الْأَشْيَاءَ وَيَكُونُ أَلْفًا مِنْ الطَّعَامِ وَيَكُونُ إذَا كَانَ جَيِّدًا أَوْ رَدِيئًا غَيْرَ مَوْصُوفٍ، وَهَذَا يَفْسُدُ مِنْ وَجْهَيْنِ‏:‏ إذَا كَانَ إجَارَةً مِنْ وَجْهِ أَنَّهُ مَجْهُولُ الْكَيْلِ وَالْإِجَارَةُ لاَ تَحِلُّ بِهَذَا وَمِنْ وَجْهِ أَنَّهُ مَجْهُولُ الصِّفَةِ، وَلَوْ كَانَ مَعْرُوفَ الْكَيْلِ، وَهُوَ مَجْهُولُ الصِّفَةِ لَمْ تَحِلَّ الْإِجَارَةُ بِهَذَا فَأَمَّا مَا فَارَقَ هَذَا الْمَعْنَى فَلاَ بَأْسَ بِهِ، وَلَوْ شَرَطَ الْإِجَارَةَ إلَى أَجَلٍ، وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا أَجَلاً، وَلَمْ يَتَقَابَضَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ طَعَامٍ لاَ تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، أَوْ هُوَ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ غَيْرَ الطَّعَامِ، أَوْ عَرْضٌ أَوْ ذَهَبٌ، أَوْ فِضَّةٌ فَلاَ بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ إذَا قَبَضَ الْأَرْضَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْإِجَارَةَ كَانَتْ إلَى أَجَلٍ، أَوْ غَيْرِ أَجَلٍ، وَإِنْ شَرَطَهَا بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ مَكِيلٍ مِمَّا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ كَرِهْته احْتِيَاطًا، وَلَوْ وَقَعَ الْأَجْرُ بِهَذَا وَكَانَ طَعَامًا مَوْصُوفًا مَا أَفْسَدْته مِنْ قِبَلِ أَنَّ الطَّعَامَ مَكِيلٌ مَعْلُومُ الْكَيْلِ مَوْصُوفٌ مَعْلُومُ الصِّفَةِ وَأَنَّهُ لاَزِمٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شَيْئًا، أَوْ لَمْ تُخْرِجْهُ، وَقَدْ تُخْرِجُ الْأَرْضُ طَعَامًا بِغَيْرِ صِفَتِهِ فَلاَ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ أَنْ يَدْفَعَهُ وَيَدْفَعَهُ بِالصِّفَةِ فَعَلَى هَذَا الْباب كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إذَا تَكَارَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ ذَاتَ الْمَاءِ مِنْ الْعَيْنِ، أَوْ النَّهْرِ نِيلٍ، أَوْ غَيْرِ نِيلٍ، أَوْ الْغِيلِ، أَوْ الْآبَارِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا غَلَّةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَزَرَعَهَا إحْدَى الْغَلَّتَيْنِ وَالْمَاءُ قَائِمٌ ثُمَّ نَضَبَ الْمَاءُ فَذَهَبَ قَبْلَ الْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ فَأَرَادَ رَدَّ الْأَرْضِ بِذَهَابِ الْمَاءِ فَذَلِكَ لَهُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِصَّةِ مَا زَرَعَ إنْ كَانَتْ حِصَّةُ الزَّرْعِ الَّذِي حَصَدَ الثُّلُثَ، أَوْ النِّصْفَ، أَوْ الثُّلُثَيْنِ أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ أَدَّى إلَى ذَلِكَ وَسَقَطَتْ عَنْهُ حِصَّةُ الزَّرْعِ الثَّانِي الَّذِي انْقَطَعَ الْمَاءُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، وَهَذَا مِثْلُ الدَّارِ يَكْتَرِيهَا فَيَسْكُنُهَا بَعْضَ السَّنَةِ ثُمَّ تَنْهَدِمُ فِي آخِرِهَا فَيَكُونُ عَلَيْهِ حِصَّةُ مَا سَكَنَ وَتَبْطُلُ عَنْهُ حِصَّةُ مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى سَكَنِهِ فَالْمَاءُ إذَا كَانَ لاَ صَلاَحَ لِلزَّرْعِ إلَّا بِهِ كَالْبِنَاءِ الَّذِي لاَ صَلاَحَ لِلْمَسْكَنِ إلَّا بِهِ، وَإِذَا تَكَارَى مِنْ الرَّجُلِ الْأَرْضَ السَّنَةَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا مَا شَاءَ فَزَرَعَهَا وَانْقَضَتْ السَّنَةُ، وَفِيهَا زَرْعٌ لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يُحْصَدَ فَإِنْ كَانَتْ السَّنَةُ قَدْ يُمْكِنُهُ فِيهَا أَنْ يَزْرَعَ زَرْعًا يُحْصَدُ قَبْلَهَا فَالْكِرَاءُ جَائِزٌ وَلَيْسَ لِرَبِّ الزَّرْعِ أَنْ يُثَبِّتَ زَرْعَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْقُلَهُ عَنْ رَبِّ الْأَرْضِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ تَرْكَهُ قَرُبَ ذَلِكَ، أَوْ بَعُدَ، لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ شَرَطَ أَنْ يَزْرَعَهَا صِنْفًا مِنْ الزَّرْعِ يُسْتَحْصَدُ، أَوْ يَسْتَقْصِلَ قَبْلَ السَّنَةِ فَأَخَّرَهُ إلَى وَقْتٍ مِنْ السَّنَةِ وَانْقَضَتْ السَّنَةُ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ تَكَارَاهَا مُدَّةً هِيَ أَقَلُّ مِنْ سَنَةٍ، وَشَرَطَ أَنْ يَزْرَعَهَا شَيْئًا بِعَيْنِهِ وَيَتْرُكَهُ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ فَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُسْتَحْصَدَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي تَكَارَاهَا إلَيْهَا فَالْكِرَاءُ فَاسِدٌ مِنْ قِبَلِ أَنِّي أَثْبَتُّ بَيْنَهُمَا شَرْطَهُمَا، وَلَوْ أُثْبِتَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُبْقِيَ زَرْعَهُ فِيهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ الْمُدَّةِ أُبْطِلُ شَرْطُ رَبِّ الزَّرْعِ أَنْ يَتْرُكَهُ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ، وَإِنْ أُثْبِتَ لَهُ زَرْعُهُ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ أَبْطَلْت شَرْطَ رَبِّ الْأَرْضِ فَكَانَ هَذَا كِرَاءً فَاسِدًا وَلِرَبِّ الْأَرْضِ كِرَاءُ مِثْلِ أَرْضِهِ إذَا زَرَعَ وَعَلَيْهِ تَرْكُ الزَّرْعِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ، وَإِنْ تَرَافَعَا قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ فَسُخْت الْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا‏.‏

وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْأَرْضَ الَّتِي لاَ مَاءَ لَهَا وَاَلَّتِي إنَّمَا تُسْقَى بِنَطْفِ السَّمَاءِ، أَوْ السَّيْلِ إنْ حَدَثَ فَلاَ يَصْلُحُ كِرَاؤُهَا إلَّا عَلَى أَنْ يُكْرِيَهُ إيَّاهَا أَرْضًا بَيْضَاءَ لاَ مَاءَ لَهَا يَصْنَعُ بِهَا الْمُكْتَرِي مَا شَاءَ فِي سَنَةٍ إلَّا أَنَّهُ لاَ يَبْنِي، وَلاَ يَغْرِسُ فِيهَا، وَإِذَا وَقَعَ عَلَى هَذَا الْكِرَاءِ صَحَّ، فَإِذَا جَاءَهُ مَاءٌ مِنْ سَيْلٍ، أَوْ مَطَرٍ فَزَرَعَ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَزْرَعْ، أَوْ لَمْ يَأْتِهِ مَاءٌ فَالْكِرَاءُ لَهُ لاَزِمٌ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ شَرْطُهُ أَنْ يَزْرَعَهَا، وَقَدْ يُمْكِنُهُ زَرْعُهَا عَثَرِيًّا بِلاَ مَاءٍ، أَوْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا مَاءً مِنْ مَوْضِعٍ فَأَكْرَاهُ إيَّاهَا أَرْضًا بَيْضَاءَ لاَ مَاءَ لَهَا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا إنْ شَاءَ، أَوْ يَفْعَلَ بِهَا مَا شَاءَ صَحَّ الْكِرَاءُ وَلَزِمَهُ زَرَعَ أَوْ لَمْ يَزْرَعْ، وَإِنْ أَكْرَاهُ إيَّاهَا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا، وَلَمْ يَقُلْ أَرْضًا بَيْضَاءَ لاَ مَاءَ لَهَا وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهَا لاَ تُزْرَعُ إلَّا بِمَطَرٍ، أَوْ سَيْلٍ يَحْدُثُ فَالْكِرَاءُ فَاسِدٌ فِي هَذَا كُلِّهِ فَإِنْ زَرَعَهَا فَلَهُ مَا زَرَعَ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهَا‏.‏

وَقَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ لِمَ أَفْسَدْت الْكِرَاءَ فِي هَذَا‏؟‏ قِيلَ‏:‏ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ لاَ يَجِيءُ الْمَاءُ عَلَيْهَا فَيَبْطُلُ الْكِرَاءُ، وَقَدْ يَجِيءُ فَيَتِمُّ الْكِرَاءُ‏.‏ فَلَمَّا كَانَ مَرَّةً يَتِمُّ وَمَرَّةً لاَ يَتِمُّ بَطَلَ الْكِرَاءُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ ذَاتَ النَّهْرِ مِثْلَ النِّيلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَعْلُو الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا زَرْعًا هُوَ مَعْرُوفٌ أَنَّ ذَلِكَ الزَّرْعَ لاَ يَصْلُحُ إلَّا بِأَنْ يَرْوِيَهَا النِّيلُ لاَ يَتْرُكُهَا، وَلاَ تَشْرَبُ غَيْرَهُ كَرِهْت هَذَا الْكِرَاءَ وَفَسَخْته إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْضَاءَ ثُمَّ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَعْلُوَ الْمَاءُ الْأَرْضَ عُلُوًّا يَكُونُ رَيًّا لَهَا، أَوْ يَصْلُحُ بِهِ الزَّرْعُ بِحَالٍ، فَإِذَا تُكُورِيَتْ رَيًّا بَعْدَ نُضُوبِ الْمَاءِ فَالْكِرَاءُ صَحِيحٌ لاَزِمٌ لِلْمُكْتَرِي زَرَعَ، أَوْ لَمْ يَزْرَعْ قَلَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الزَّرْعِ، أَوْ كَثُرَ، وَإِنْ تَكَارَاهَا وَالْمَاءُ قَائِمٌ عَلَيْهَا، وَقَدْ يَنْحَسِرُ لاَ مَحَالَةَ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ فِيهِ الزَّرْعُ فَالْكِرَاءُ فِيهِ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَنْحَسِرُ، وَلاَ يَنْحَسِرُ كَرِهْت الْكِرَاءَ إلَّا بَعْدَ انْحِسَارِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ أَجَزْت كِرَاءَهُ أَوْ بَيْعَهُ أَجَزْت النَّقْدَ فِيهِ، وَإِنْ تَكَارَى الرَّجُلُ لِلزَّرْعِ فَزَرَعَهَا أَوْ لَمْ يَزْرَعْهَا حَتَّى جَاءَ عَلَيْهَا النِّيلُ، أَوْ زَادَ، أَوْ أَصَابَهَا شَيْءٌ يُذْهِبُ الْأَرْضَ انْتَقَضَ الْكِرَاءُ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَرَبِّ الْأَرْضِ مِنْ يَوْمِ تَلِفَتْ الْأَرْضُ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الْأَرْضِ تَلِفَ وَبَعْضٌ لَمْ يَتْلَفْ، وَلَمْ يَزْرَعْ فَرَبُّ الزَّرْعِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَسْلَمْ لَهُ كُلَّهَا، وَإِنْ كَانَ زَرَعَ أُبْطِلُ عَنْهُ مَا تَلِفَ وَلَزِمَتْهُ حِصَّةُ مَا زَرَعَ مِنْ الْكِرَاءِ وَهَكَذَا كِرَاءُ الدُّورِ وَأَثْمَانُ الْمَتَاعِ وَالطَّعَامِ إذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ مِنْهُ مِائَةَ صَاعٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَتَلِفَ خَمْسُونَ صَاعًا فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْسِينَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدَّ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ كُلُّهُ كَمَا اشْتَرَى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اكْتَرَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ مِنْ الرَّجُلِ بِالْكِرَاءِ الصَّحِيحِ ثُمَّ أَصَابَهَا غَرَقٌ مَنَعَهُ الزَّرْعَ، أَوْ ذَهَبَ بِهَا سَيْلٌ أَوْ غَصَبَهَا فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا سَقَطَ عَنْهُ الْكِرَاءُ مِنْ يَوْمِ أَصَابَهَا ذَلِكَ وَهِيَ مِثْلُ الدَّارِ يَكْتَرِيهَا سَنَةً وَيَقْبِضُهَا فَتُهْدَمُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ، أَوْ آخِرِهَا وَالْعَبْدُ يَسْتَأْجِرُهُ السَّنَةَ فَيَمُوتُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ أَوْ آخِرِهَا فَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِجَارَةِ بِقَدْرِ مَا سَكَنَ وَاسْتَخْدَمَ وَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا بَقِيَ، وَإِنْ أَكْرَاهُ أَرْضًا بَيْضَاءَ يَصْنَعُ فِيهَا مَا شَاءَ، أَوْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ اكْتَرَاهَا لِلزَّرْعِ ثُمَّ انْحَسَرَ الْمَاءُ عَنْهَا فِي أَيَّامٍ لاَ يُدْرِكُ فِيهَا زَرْعًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ، أَوْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ انْتَقَصَ مِمَّا اكْتَرَى، وَكَذَلِكَ إنْ اكْتَرَاهَا لِلزَّرْعِ وَكِرَاؤُهَا لِلزَّرْعِ أَبْيَنُ فِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إنْ شَاءَ، وَإِنْ كَانَ مَرَّ بِهَا مَاءٌ فَأَفْسَدَ زَرْعَهُ، أَوْ أَصَابَهُ حَرِيقٌ، أَوْ ضَرِيبٌ أَوْ جَرَادٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ جَائِحَةٌ عَلَى الزَّرْعِ لاَ عَلَى الْأَرْضِ فَالْكِرَاءُ لَهُ لاَزِمٌ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُجَدِّدَ زَرْعًا جَدَّدَهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ يُمْكِنُهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَهَذَا شَيْءٌ أُصِيبَ بِهِ فِي زَرْعِهِ لَمْ تُصَبْ بِهِ الْأَرْضُ فَالْكِرَاءُ لَهُ لاَزِمٌ، وَهَذَا مُفَارِقٌ لِلْجَائِحَةِ فِي الثَّمَرَةِ يَشْتَرِيهَا الرَّجُلُ فَتُصِيبُهَا الْجَائِحَةُ فِي يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُمْكِنَهُ جِدَادُهَا، وَمَنْ وَضَعَ الْجَائِحَةَ ثُمَّ انْبَغَى أَنْ لاَ يَضَعَهَا هَهُنَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ إذَا كَانَتَا جَائِحَتَيْنِ فَمَا بَالُ إحْدَاهُمَا تُوضَعُ وَالْأُخْرَى لاَ تُوضَعُ، فَإِنَّ مَنْ وَضَعَ الْجَائِحَةَ الْأُولَى فَإِنَّمَا يَضَعُهَا بِالْخَبَرِ، وَبِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا فِي شِرَاءِ الثَّمَرَةِ إذَا بَدَا صَلاَحُهَا وَتَرَكَهَا حَتَّى تُجَدَّ فَإِنَّمَا يُنْزِلُهَا بِمَنْزِلَةِ الْكِرَاءِ الَّذِي يَقْبِضُ بِهِ الدَّارَ ثُمَّ تَمُرُّ بِهِ أَشْهُرٌ ثُمَّ تَتْلَفُ الدَّارُ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْكِرَاءُ مِنْ يَوْمِ تَلِفَتْ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَيْنَ الَّتِي اكْتَرَى وَاشْتَرَى تَلِفَتْ وَكَانَ الشِّرَاءُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إنَّمَا يَتِمُّ بِسَلاَمَتِهِ إلَى أَنْ يُجَدَّ وَالْمُكْتَرِي الْأَرْضَ لَمْ يَشْتَرِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ زَرْعًا إنَّمَا اكْتَرَى أَرْضًا‏.‏

أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا فَلَمْ يَزْرَعْهَا حَتَّى تَمْضِيَ السَّنَةُ كَانَ عَلَيْهِ كِرَاؤُهَا، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَزْرَعَهَا بِشَيْءٍ يُقِيمُ تَحْتَ الْأَرْضِ حَتَّى لَوْ مَرَّ بِهِ سَيْلٌ لَمْ يَنْزِعْهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ‏؟‏، وَلَوْ تَكَارَاهَا حَتَّى إذَا اسْتَحْصَدَتْ فَأَصَابَ الْأَرْضَ حَرِيقٌ فَاحْتَرَقَ الزَّرْعُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَتْلَفْ شَيْءٌ كَانَ أَعْطَاهُ إيَّاهُ إنَّمَا تَلِفَ شَيْءٌ يَضَعُهُ الزَّارِعُ مِنْ مَالِهِ كَمَا لَوْ تَكَارَى مِنْهُ دَارًا لِلْبُرِّ فَاحْتَرَقَ الْبُرُّ، وَلاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَبَقِيَتْ الدَّارُ سَالِمَةً لَمْ يُنْتَقَصْ سَكَنُهَا كَانَ الْكِرَاءُ لَهُ لاَزِمًا، وَلَمْ يَكُنْ احْتِرَاقُ الْمَتَاعِ مِنْ مَعْنَى الدَّارِ بِسَبِيلٍ‏.‏

وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْأَرْضَ سَنَةً مُسَمَّاةً أَوْ سَنَتَهُ هَذِهِ فَزَرَعَهَا وَحَصَدَ وَبَقِيَ مِنْ سَنَتِهِ هَذِهِ شَهْرٌ، أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ يَدِهِ حَتَّى تَكْمُلَ سَنَتُهُ، وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الْكِرَاءِ إلَّا بِاسْتِيفَاءِ الْمُكْتَرِي جَمِيعَ السَّنَةِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَرْضُ أَرْضَ الْمَطَرِ، أَوْ أَرْضَ السَّقْيِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهَا مَنَافِعُ مِنْ زَرْعٍ وَعَثَرِيٍّ وَسَيْلٍ وَمَطَرٍ، وَلاَ يُؤَيِّسُ مِنْ الْمَطَرِ عَلَى حَالٍ وَلِمَنَافِعَ سِوَى هَذَا لاَ يَمْنَعُهَا الْمُكْتَرِي، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا قَمْحًا فَأَرَادَ أَنْ يَزْرَعَهَا شَعِيرًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحُبُوبِ سِوَى الْقَمْحِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَزْرَعَهُ لاَ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ إضْرَارًا أَكْثَرَ مِنْ إضْرَارِ مَا شَرَطَ أَنَّهُ يُزْرَعُ بِبَقَاءِ عُرُوقِهِ فِي الْأَرْضِ، أَوْ إفْسَادِهِ الْأَرْضَ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ فَلَهُ زَرْعُهَا مَا أَرَادَ بِهَذَا الْمَعْنَى كَمَا يَكْتَرِي مِنْهُ الدَّارَ عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا فَيَسْكُنَهَا مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ مَا أَرَادَ زَرْعَهَا يُنْقِصُهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَكْثَرَ مِنْ نَقْصِ مَا اشْتَرَطَ أَنْ يَزْرَعَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ زَرْعُهَا فَإِنْ زَرَعَهَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْكِرَاءَ الَّذِي سَمَّى لَهُ وَمَا نَقَصَ زَرْعُهُ الْأَرْضَ عَمَّا يُنْقِصُهَا الزَّرْعُ الَّذِي شَرَطَ لَهُ أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ كِرَاءَ مِثْلِهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ الزَّرْعِ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ فِيهِ الزَّرْعُ كَانَ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَطْعُ زَرْعِهِ إنْ شَاءَ وَيَزْرَعُهَا الْمُكْتَرِي مِثْلَ الزَّرْعِ الَّذِي شَرَطَ لَهُ، أَوْ مَا لاَ يَضُرُّ أَكْثَرَ مِنْ إضْرَارِهِ‏.‏

وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْبَعِيرَ لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةِ رِطْلٍ قُرْطًا فَحَمَلَ عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةِ رِطْلِ حَدِيدٍ، أَوْ تَكَارَى لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ حَدِيدًا فَحَمَلَ عَلَيْهِ قُرْطًا بِوَزْنِهِ فَتَلِفَ الْبَعِيرُ فَهُوَ ضَامِنٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحَدِيدَ يُسْتَجْمَعُ عَلَى ظَهْرِهِ اسْتِجْمَاعًا لاَ يَسْتَجْمِعُهُ الْقُرْطُ فَبِهَذِهِ يَتْلَفُ وَأَنَّ الْقُرْطَ يَنْتَشِرُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ انْتِشَارًا لاَ مَرَّ الْحَدِيدُ فَيَعُمُّهُ فَيَتْلَفُ وَأَصْلُ هَذَا أَنْ يُنْظَرَ إذَا اكْتَرَى مِنْهُ بَعِيرًا عَلَى أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ وَزْنًا مِنْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ وَزْنَهُ مِنْ شَيْءٍ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الشَّيْءُ الَّذِي حَمَلَ عَلَيْهِ يُخَالِفُ الشَّيْءَ الَّذِي شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَهُ حَتَّى يَكُونَ أَضَرَّ بِالْبَعِيرِ مِنْهُ فَتَلِفَ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَكُونُ أَضَرَّ بِهِ مِنْهُ وَكَانَ مِثْلَهُ، أَوْ أَحْرَى أَنْ لاَ يَتْلَفَ الْبَعِيرُ فَحَمَلَهُ فَتَلِفَ لَمْ يَضْمَنْ‏.‏

وَكَذَلِكَ إنْ تَكَارَى دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فَحَمَلَ عَلَيْهَا غَيْرَهُ مِثْلَهُ فِي الْخِفَّةِ، أَوْ أَخَفَّ مِنْهُ فَهَكَذَا لاَ يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ أَثْقَلَ مِنْهُ فَتَلِفَ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ أَعْنَفَ رُكُوبًا مِنْهُ، وَهُوَ مِثْلُهُ فِي الْخِفَّةِ فَانْظُرْ إلَى الْعُنْفِ فَإِنْ كَانَ الْعُنْفُ شَيْئًا لَيْسَ كَرُكُوبِ النَّاسِ وَكَانَ مُتْلِفًا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ كَرُكُوبِ النَّاسِ لَمْ يَضْمَنْ وَذَلِكَ أَنَّ أَرْكَبَ النَّاسَ قَدْ يَخْتَلِفُ بِرُكُوبٍ، وَلاَ يُوقَفُ لِلرُّكُوبِ عَلَى حَدٍّ إلَّا أَنَّهُ إذَا فَعَلَ فِي الرُّكُوبِ مَا يَكُونُ خَارِجًا بِهِ مِنْ رُكُوبِ الْعَامَّةِ وَمُتْلِفًا فَتُلْفِ الدَّابَّةَ ضَمِنَ‏.‏

وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ أَرْضًا عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ فَلاَ يُمْنَعُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الزَّرْعِ بِحَالٍ، فَإِنْ أَرَادَ الْغِرَاسَ فَالْغِرَاسُ غَيْرُ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِيهَا بَقَاءً لاَ يَبْقَاهُ الزَّرْعُ وَيَفْسُدُ مِنْهَا مَا لاَ يَفْسُدُ الزَّرْعُ فَإِنْ تَكَارَاهَا مُطْلَقَةً عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا يَزْرَعُ فِيهَا، أَوْ يَغْرِسُ كَرِهْت الْكِرَاءَ وَفَسَخْته، وَلاَ يُشْبِهُ هَذَا السَّكَنُ شَيْءٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَهَذَا شَيْءٌ عَلَى وَجْهِهَا وَبَطْنِهَا، فَإِذَا تَكَارَاهَا عَلَى أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا وَيَزْرَعَ مَا شَاءَ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَالْكِرَاءُ جَائِزٌ، وَإِذَا انْقَضَتْ يَرْعَى لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُ غِرَاسِهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُخْرِجُهُ مِنْهَا قَائِمًا عَلَى أُصُولِهِ وَبِثَمَرِهِ إنْ كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ وَلِرَبِّ الْغِرَاسِ إنْ شَاءَ أَنْ يَقْلَعَهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ إذَا قَلَعَهُ مَا نَقَصَ الْأَرْضَ وَالْغِرَاسُ كَالْبِنَاءِ إذَا كَانَ بِإِذْنِ مَالِك الْأَرْضِ مُطْلَقًا لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَقْلَعَ الْبِنَاءَ حَتَّى يُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ قَائِمًا فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُخْرِجُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْأَرْضَ يَزْرَعُهَا، وَفِيهَا نَخْلُهُ أَوْ مِائَةُ نَخْلَةٍ، أَوْ أَقَلُّ، أَوْ أَكْثَرُ، وَقَدْ رَأَى مَا اسْتَأْجَرَ مِنْهُ مِنْ الْبَيَاضِ زَرَعَ فِي الْبَيَاضِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ قَلِيلٌ، وَلاَ كَثِيرٌ وَكَانَ ثَمَرُ النَّخْلِ لِرَبِّ النَّخْلِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا مِنْهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ عَلَى أَنَّ لَهُ ثَمَرَ نَخْلِهِ يَسْوَى دِرْهَمًا أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا انْعَقَدَتْ عَقْدَةً وَاحِدَةً عَلَى حَلاَلٍ وَمُحَرَّمٍ فَالْحَلاَلُ الْكِرَاءُ وَالْحَرَامُ ثَمَرُ النَّخْلَةِ إذَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا يَبْدُو صَلاَحُهُ فَلاَ بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَتْ النَّخْلَةُ بِعَيْنِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كَثُرَ الْكِرَاءُ فِي الْأَرْضِ، أَوْ الدَّارِ وَقَلَّتْ الثَّمَرَةُ، أَوْ كَثُرَتْ، أَوْ قَلَّ الْكِرَاءُ كَمَا كَانَ لاَ يَحِلُّ أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةُ نَخْلَةٍ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا وَكَانَ هَذَا فِيهَا مُحَرَّمًا كَمَا هُوَ فِي أَلْفِ نَخْلَةٍ، وَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى بَيْعِهِ قَبْلَ يَبْدُو صَلاَحُهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَحْرُمُ كَثِيرًا يَحْرُمُ قَلِيلاً وَسَوَاءٌ كَانَتْ النَّخْلَةُ صِنْوَانَا وَاحِدًا فِي الْأَرْضِ أَوْ مُجْتَمِعَةً فِي نَاحِيَةٍ، أَوْ مُتَفَرِّقَةً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ الدَّارَ، أَوْ الْأَرْضَ إلَى سَنَةٍ كِرَاءً فَاسِدًا فَلَمْ يَزْرَعْ الْأَرْضَ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا، وَلَمْ يَسْكُنْ الدَّارَ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا إلَّا أَنَّهُ قَدْ قَبَضَهَا عِنْدَ الْكِرَاءِ وَمَضَتْ السَّنَةُ لَزِمَهُ كِرَاءُ مِثْلِهَا كَمَا كَانَ يَلْزَمُهُ إنْ انْتَفَعَ بِهَا، أَلاَ تَرَى أَنَّ الْكِرَاءَ لَوْ كَانَ صَحِيحًا فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى تَمْضِيَ سَنَةٌ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَبَضَهُ وَسَلِمَتْ لَهُ مَنْفَعَتُهُ فَتَرَكَ حَقَّهُ فِيهَا فَلاَ يُسْقِطُ ذَلِكَ حَقَّ رَبِّ الدَّارِ عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ الْكِرَاءُ الْفَاسِدُ إذَا انْتَفَعَ بِهِ الْمُكْتَرِي يُرَدُّ إلَى كِرَاءِ مِثْلِهِ كَانَ حُكْمُ كِرَاءِ مِثْلِهِ فِي الْفَاسِدِ كَحُكْمِ الْكِرَاءِ الصَّحِيحِ، وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الدَّارَ سَنَةً فَقَبَضَهَا الْمُكْتَرِي ثُمَّ غَصَبَهُ إيَّاهَا مَنْ لاَ يَقْوَى عَلَيْهِ سُلْطَانٌ، أَوْ مَنْ يَرَى أَنَّهُ يَقْوَى عَلَيْهِ سُلْطَانٌ فَسَوَاءٌ لاَ كِرَاءَ عَلَيْهِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ أَرَادَ الْمُكْتَرِي أَنْ يَكُونَ خَصْمًا لِلْغَاصِبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَصْمًا إلَّا بِوَكَالَةٍ مِنْ رَبِّ الدَّارِ وَذَلِكَ أَنَّ الْخُصُومَةَ لِلْغَاصِبِ إنَّمَا تَكُونُ فِي رَقَبَةِ الدَّارِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا فِي الدَّارِ إلَّا رَبُّ الدَّارِ، أَوْ وَكِيلٌ لِرَبِّ الدَّارِ وَالْكِرَاءُ لاَ يُسَلَّمُ لِلْمُكْتَرِي إلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْمُكْرِي مَالِكًا لِلدَّارِ وَالْمُكْتَرِي لَمْ يَكْتَرِ عَلَى أَنْ يَكُونَ خَصْمًا لَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ، أَرَأَيْت لَوْ خَاصَمَهُ فِيهَا سَنَةً فَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا أَتَجْعَلُ عَلَى الْمُكْتَرِي كِرَاءً، وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ أَمْ تَجْعَلُ لِلْمُخَاصِمِ إجَارَةً عَلَى رَبِّ الدَّارِ فِي عَمَلِهِ، وَلَمْ يُوَكِّلْهُ‏؟‏ أَوَرَأَيْت لَوْ أَقَرَّ رَبُّ الدَّارِ بِأَنَّهُ كَانَ غَصَبَهَا مِنْ الْغَاصِبِ، أَلاَ يَبْطُلُ الْكِرَاءُ‏؟‏ أَوَرَأَيْت لَوْ أَقَرَّ الْمُتَكَارِي أَنَّ رَبَّ الدَّارِ غَصَبَهَا مِنْ الْغَاصِبِ أَيُقْضَى عَلَى رَبِّ الدَّارِ أَنَّهُ غَاصِبٌ بِإِقْرَارِ غَيْرِ مَالِكٍ، وَلاَ وَكِيلٍ‏؟‏ فَهَلْ يَعْدُو الْمُكْتَرِي إذَا قَبَضَ الدَّارَ ثُمَّ غُصِبَتْ أَنْ يَكُونَ الْغَصْبُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ، وَلَمْ تَسْلَمْ لِلْمُكْتَرِي الْمَنْفَعَةُ بِلاَ مُؤْنَةٍ عَلَيْهِ كَمَا اكْتَرَى‏؟‏ فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا فَسَوَاءٌ غَصَبَهَا مَنْ لاَ يَقْوَى عَلَيْهِ سُلْطَانٌ، أَوْ مَنْ يَقْوَى عَلَيْهِ سُلْطَانٌ، وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ كِرَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَسْلَمْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ أَوْ يَكُونُ الْغَصْبُ عَلَى الْمُكْتَرِي دُونَ رَبِّ الدَّارِ وَيَكُونُ ذَلِكَ شَيْئًا أُصِيبَ بِهِ الْمُكْتَرِي كَمَا يُصَابُ مَالُهُ فَيُلْزِمُهُ الْكِرَاءُ غَصْبَهَا إيَّاهُ مَنْ يَقْوَى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ، أَوْ مَنْ لاَ يَقْوَى عَلَيْهِ‏.‏

وَإِذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْعَبْدَ وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ، أَوْ لَمْ يَدْفَعْهُ وَافْتَرَقَا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَحُلْ الْبَائِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ كَانَ حَاضِرًا عِنْدَهُمَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ الْعَبْدُ فَالْعَبْدُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ لاَ مِنْ مَالِ الْمُبْتَاعِ، وَإِنْ حَدَثَ بِالْعَبْدِ عَيْبٌ كَانَ الْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْبِضَ الْعَبْدَ أَوْ يَرُدَّهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ كَانَ الثَّمَنُ دَارًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ ذَهَبًا بِأَعْيَانِهَا، أَوْ عَرَضًا مِنْ الْعُرُوضِ فَتَلِفَ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ الْعَبْدَ مِمَّا وَصَفْنَا فِي يَدَيْ مُشْتَرِي الْعَبْدِ كَانَ الْبَيْعُ مُنْتَقَضًا وَكَانَ مِنْ مَالِ مَالِكِهِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ قَدْ هَلَكَ هَذَا الْعَبْدُ، وَهَذَا الْعَرَضُ ثُمَّ لَمْ يُحْدِثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَوْلاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِهِ إيَّاهُ فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ حَتَّى يُسَلِّمَهُ لِلْمُبْتَاعِ‏؟‏ فَقِيلَ لَهُ بِالْأَمْرِ الْبَيِّنِ مِمَّا لاَ يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَنَّ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ مِلْكٌ لِرَجُلٍ مَضْمُونًا عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ أَوْ حَقٍّ لَزِمَهُ مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَرْشُ جِنَايَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ غَصْبٍ، أَوْ أَيِّ شَيْءٍ مَا كَانَ فَأَحْضَرَهُ لِيَدْفَعَ إلَى مَالِكِهِ حَقَّهُ فِيهِ عَرَضًا بِعَيْنِهِ أَوْ غَيْرِ عَيْنِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَبْرَأْ بِهَلاَكِهِ فِي يَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ وَكَانَ ضَمَانُهُ مِنْهُ حَتَّى يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ، وَلَوْ أَقَامَا بَعْدَ إحْضَارِهِ إيَّاهُ فِي مَكَان وَاحِدٍ يَوْمًا وَاحِدًا، أَوْ سَنَةً، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْحَوْلِ بِغَيْرِ الدَّفْعِ لاَ يُخْرِجُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّفْعُ إلَّا بِالدَّفْعِ فَكَانَ أَكْثَرُ مَا عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنْ يُسَلِّمَ هَذَا مَا بَاعَ، وَهَذَا مَا اشْتَرَى بِهِ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلاَ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ ضَمَانٍ بِحَالٍ وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً نَكَحَ امْرَأَةً وَاسْتَخْزَنَهَا مَالَهُ، وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَبْضِ صَدَاقِهَا، وَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ وَاجِدًا لَهُ وَغَيْرَ حَائِلٍ دُونَهُ وَأَنْ تَكُونَ وَاجِدَةً لَهُ غَيْرَ مَحُولٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَأُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ‏}‏، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً أَحْضَرَ مَسَاكِينَ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ لَهُمْ فِي مَالِهِ دَرَاهِمَ أَخْرَجَهَا بِأَعْيَانِهَا مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ فَلَمْ يَقْبِضُوهَا، وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا، وَلَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ تَلِفَتْ مِنْ مَالِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَطَهَّرَ لِلصَّلاَةِ وَقَامَ يُرِيدُهَا، وَلاَ يُصَلِّيهَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ فَرْضِهَا حَتَّى يُصَلِّيَهَا‏.‏

وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ دَمٍ، أَوْ جُرْحٍ فَأَحْضَرَ الَّذِي لَهُ الْقِصَاصُ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، أَوْ خَلَّى الْحَاكِمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَلَمْ يَقْتَصَّ، وَلَمْ يَعْفُ لَمْ يَخْرُجْ هَذَا مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْقِصَاصِ ثُمَّ لاَ يَخْرُجْ أَحَدُهُمَا مِمَّا قِبَلَهُ إلَّا بِأَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَى مَنْ هُوَ لَهُ، أَوْ يَعْفُوَهُ الَّذِي هُوَ لَهُ وَهَكَذَا أَصْلُ فَرْضِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فِي جَمِيعِ مَا فَرَضَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ‏}‏ فَجَعَلَ التَّسَلُّمَ الدَّفْعَ لاَ الْوُجُودَ وَتَرَكَ الْحَوْلَ وَالدَّفْعَ وَقَالَ فِي الْيَتَامَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ‏}‏ وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ‏}‏ فَفَرَضَ عَلَى كُلِّ مَنْ صَارَ إلَيْهِ حَقٌّ لِمُسْلِمٍ، أَوْ حَقٌّ لَهُ أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيَهُ وَأَدَاؤُهُ دَفْعُهُ لاَ تَرْكُ الْحَوْلِ دُونَهُ سَوَاءٌ دَعَاهُ إلَى قَبْضِهِ، أَوْ لَمْ يَدْعُهُ مَا لَمْ يُبْرِئْهُ مِنْهُ فَيَبْرَأُ مِنْهُ بِالْبَرَاءَةِ أَوْ يَقْبِضُهُ مِنْهُ فِي مَقَامِهِ، أَوْ غَيْرِ مَقَامِهِ ثُمَّ يُودِعُهُ إيَّاهُ، وَإِذَا قَبَضَهُ ثُمَّ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ فَضَمَانُهُ مِنْ مَالِكِهِ قَالَ الرَّبِيعُ يُرِيدُ الْقَابِضَ لَهُ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اكْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْأَرْضَ، أَوْ الدَّارَ كِرَاءً صَحِيحًا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ تَمَّ قَبْضُ الْمُكْتَرِي مَا اكْتَرَى فَالْكِرَاءُ لَهُ لاَزِمٌ فَيَدْفَعُهُ حِينَ يَقْبِضُهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ إلَى أَجَلٍ فَيَكُونُ إلَى أَجَلِهِ فَإِنْ سَلَّمَ لَهُ مَا اكْتَرَى، فَقَدْ اسْتَوْفَى، وَإِنْ تَلِفَ رَجَعَ بِمَا قَبَضَ مِنْهُ مِنْ الْكِرَاءِ كُلِّهِ فِيمَا لَمْ يَسْتَوْفِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْكِرَاءَ كُلَّهُ وَلَعَلَّ الدَّارَ أَنْ تَتْلَفَ، أَوْ الْأَرْضَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى‏؟‏ قِيلَ‏:‏ لاَ أَعْلَمُ يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا مِنْ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ الَّتِي مَلَكَ مَنْفَعَتَهَا مَدْفُوعَةً إلَيْهِ فَيَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ الْمُدَّةَ الَّتِي شُرِطَتْ لَهُ وَأَوْلَى النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْجَائِحَةَ مَوْضُوعَةٌ، وَقَدْ دَفَعَ الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ إلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ شَاءَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَقْطَعَهَا كُلَّهَا قَطَعَهَا فَلَمَّا كَانَ الْمُشْتَرِي إذَا تَرَكَهَا إلَى أَوَانٍ يَرْجُو أَنْ تَكُونَ خَيْرًا لَهُ فَتَلِفَ رَجَعَ بِحِصَّةِ مَا تَلِفَ كَانَ فِي الدَّارِ الَّتِي لاَ يَقْدِرُ عَلَى قَبْضِ مَنْفَعَتِهَا إلَّا فِي مُدَّةٍ تَأْتِي عَلَيْهَا أَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ الثَّمَنَ لِلْمُكْرِي حَالًّا كَمَا يَجْعَلُهُ لِلثَّمَرَةِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ إلَى أَجَلٍ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ مَنْ قَالَ هَذَا‏؟‏ قِيلَ لَهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَكِّيِّينَ فَإِنْ قَالَ فَمَا حُجَّتُك عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشْرِقِيِّينَ إذَا تَشَارَطَا فَهُوَ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَشَارَطَا فَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الْكِرَاءِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ كِرَاءَ يَوْمِهِ قِيلَ لَهُ‏:‏ مَنْ قَالَ هَذَا لَزِمَهُ فِي أَصْلِ قَوْلِهِ أَنْ يُجِيزَ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ إذَا لَمْ يَقُلْ كَمَا قُلْنَا‏:‏ إنَّ الْكِرَاءَ يُلْزِمُ بِدَفْعِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُوجَدُ فِي هَذَا أَبَدًا دَفْعُ غَيْرِهِ، وَقَالَ‏:‏ الْمَنْفَعَةُ تَأْتِي يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ فَلاَ أَجْعَلُ دَفْعَ الدَّارِ يَكُونُ فِي حُكْمِ دَفْعِ الْمَنْفَعَةِ، قِيلَ‏:‏ فَالْمَنْفَعَةُ دَيْنٌ لَمْ يَأْتِ وَالْمَالُ دَيْنٌ لَمْ يَأْتِ، وَهَذَا الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ أَرْضَ نِيلٍ أَوْ غَيْرَهَا، أَوْ أَرْضَ مَطَرٍ‏.‏

قَالَ وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ مِنْ الذِّمِّيِّ أَرْضَ عُشْرٍ، أَوْ خَرَاجٍ فَعَلَيْهِ فِيمَا أَخْرَجَتْ مِنْ الزَّرْعِ الصَّدَقَةُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَمَا الْحُجَّةُ فِي هَذَا‏؟‏ قِيلَ لِمَا أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّدَقَةَ مِنْ قَوْم كَانُوا يَمْلِكُونَ أَرْضَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهَذِهِ أَرْضٌ مَنْ زَرَعَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّمَا زَرَعَ مَا لاَ يَمْلِكُ مِنْ الْأَرْضِ وَمَا كَانَ أَصْلُهُ فَيْئًا، أَوْ غَنِيمَةً، فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ خَاطَبَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا‏}‏ وَخَاطَبَهُمْ بِأَنْ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏ فَلَمَّا كَانَ الزَّرْعُ مَالاً مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ وَالْحَصَادُ حَصَادَ مُسْلِمٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَجَبَ عَلَيْهِ مَا كَانَ لاَ يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْأَرْضِ، فَإِنْ قَالَ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ تُوَضِّحُهُ غَيْرَ هَذَا‏؟‏ قِيلَ‏:‏ نَعَمْ الرَّجُلُ يَتَكَارَى مِنْ الرَّجُلِ الْأَرْضَ أَوْ يَمْنَحُهُ إيَّاهَا فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي زَرْعِهَا الصَّدَقَةُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ لَوْ زَرَعَ أَرْضَ نَفْسِهِ، فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَهَذِهِ لِمَالِكٍ مَعْرُوفٍ، قِيلَ‏:‏ فَكَذَلِكَ يَتَكَارَى فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لاَ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِصِفَتِهِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي زَرْعِهَا الصَّدَقَةُ‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ هَذَا هَكَذَا، وَلَكِنَّ أَصْلَ هَذِهِ لِمُسْلِمٍ، أَوْ لِمُسْلِمَيْنِ وَأَصْلَ تِلْكَ لِمُشْرِكٍ قِيلَ لَوْ كَانَتْ لِمُشْرِكٍ مَا حَلَّ لَنَا إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ عَنْوَةً، أَوْ صُلْحًا كَانَتْ مَالاً لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيَكُونُ عَلَيْنَا فِيهَا الصَّدَقَةُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْنَا فِيمَا وَرِثْنَا مِنْ آبَائِنَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُمْ قَدْ انْقَطَعَ عَنْهُمْ فَصَارَ لَنَا، وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهِيَ لِقَوْمٍ غَيْرِ مَعْرُوفِينَ، قِيلَ هِيَ لِقَوْمٍ مَعْرُوفِينَ بِالصِّفَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَعْرُوفِينَ أَعْيَانُهُمْ كَمَا تَكُونُ الْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ لِقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ، فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَالْخَرَاجُ يُؤْخَذُ مِنْهَا، قِيلَ‏:‏ لَوْلاَ أَنَّ الْخَرَاجَ كِرَاءٌ كَكِرَاءِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ وَكِرَاءُ الْأَرْضِ لِلرَّجُلِ حَرَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُؤَدِّيَ خَرَاجًا وَعَلَى الْآخِذِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا خَرَاجًا، وَلَكِنَّهُ إنَّمَا هُوَ كِرَاءٌ، أَلاَ تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَكْتَرِي الْأَرْضَ بِالشَّيْءِ الْكَثِيرِ فَلاَ يُحْسَبُ عَلَيْهِ، وَلاَ لَهُ فَيُخَفَّفُ عَنْهُ مِنْ صَدَقَتِهَا شَيْءٌ لِمَا أَدَّى مِنْ كِرَائِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ عَبْدًا فَتَصَادَقَا عَلَى الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ وَاخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَالْعَبْدُ قَائِمٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ تَالِفًا تَحَالَفَا بِبَلْعِهِ قِيمَةَ الْعَبْدِ، وَإِذَا كَانَ قَائِمًا وَهُمَا يَتَصَادَقَانِ فِي الْبَيْعِ وَيَخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ رُدَّ الْعَبْدُ بِعَيْنِهِ فَكُلُّ مَا كَانَ عَلَى إنْسَانٍ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْنِهِ فَفَاتَ رَدُّهُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ إذَا فَاتَتْ الْعَيْنُ فَإِنْ كَانَ هَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ فَمَا أَخْرَجَ هَذَا مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ‏؟‏ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُجْتَمَعِ فِي الْمَعْنَى إلَّا بِخَبَرٍ يُلْزِمُ وَهَكَذَا فِي الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ إذَا اخْتَلَفَا قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ أَوْ يَزْرَعَ تَحَالَفَا بِبَلْعِهِ، فَإِذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ الزَّرْعِ وَالسَّكَنِ تَحَالَفَا بِبَلْعِهِ قِيمَةَ الْكِرَاءِ، وَإِنْ سَكَنَ بَعْضًا رَدَّ قِيمَةَ مَا سَكَنَ وَفَسَخَ الْكِرَاءَ فِيمَا لَمْ يَسْكُنْ، وَإِنْ تَكَارَى أَرْضًا لِزَرْعٍ فَزَرَعَهَا وَبَقِيَ لَهُ سَنَةٌ، أَوْ أَكْثَرُ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا فِيمَا بَقِيَ وَرَدَّ كِرَاءَ مِثْلِهَا فِيمَا زَرَعَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا اكْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الدَّابَّةَ بِعَشْرَةٍ تَصَادَقَا عَلَى الْكِرَاءِ وَمَبْلَغِهِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَكَارَى إلَيْهِ فَقَالَ الْمُكْتَرِي اكْتَرَيْتهَا إلَى الْمَدِينَةِ بِعَشْرَةٍ وَقَالَ الْمُكْرِي اكْتَرَيْتهَا بِعَشْرَةٍ إلَى أَيْلَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ تَحَالَفَا بِبَلْعِهِ، وَإِنْ كَانَ رَكِبَهَا تَحَالَفَا وَكَانَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ كِرَاءُ مِثْلِهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي رَكِبَهَا إلَيْهِ وَفَسَخَ الْكِرَاءَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكِرَاءَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ، وَهَذَا مِثْلُ مَعْنَى قَوْلِنَا فِي الْبُيُوعِ، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا فَغَرِقَتْ كُلُّهَا قَبْلَ الزَّرْعِ رَجَعَ بِالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَمْ تَسْلَمْ لَهُ وَهِيَ مِثْلُ الدَّارِ تَنْهَدِمُ قَبْلَ السُّكْنَى فَإِنْ غَرِقَ بَعْضُهَا فَهَذَا نَقْصٌ دَخَلَ عَلَيْهِ فِيمَا اكْتَرَى وَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ حَبْسِهَا بِالْكِرَاءِ أَوْ رَدِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا اكْتَرَى كَمَا اكْتَرَى كَمَا يَكُونُ لَهُ فِي الدَّارِ لَوْ انْهَدَمَ بَعْضُهَا أَنْ يَحْبِسَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ كَأَنْ انْهَدَمَ نِصْفُهَا فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ فِي نِصْفِهَا الْبَاقِيَ بِنِصْفِ الْكِرَاءِ فَذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ دَخَلَ عَلَيْهِ فَرَضِيَ بِالنَّقْصِ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ وَيَفْسَخَ الْكِرَاءَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ إذَا كَانَ بَعْضُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ وَالْأَرْضِ لَيْسَ مِثْلَ مَا ذَهَبَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى مِائَةَ إرْدَبٍّ طَعَامًا فَلَمْ يَسْتَوْفِهَا حَتَّى تَلِفَ نِصْفُهَا فِي يَدَيْ الْبَائِعِ كَانَ لَهُ إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ قَالَ الرَّبِيعُ الطَّعَامُ عِنْدِي خِلاَفُ الدَّارِ يَنْهَدِمُ بَعْضُهَا؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَالدَّارُ لاَ يَكُونُ بَعْضُهَا مِثْلَ بَعْضٍ سَوَاءً مِثْلَ الطَّعَامِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَصْلُ هَذَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْبَيْعَةِ، فَإِذَا وَقَعَتْ عَلَى شَيْءٍ يَتَبَعَّضُ وَيَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ فَتَلِفَ بَعْضُهُ قُلْت فِيهِ هَكَذَا، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى شَيْءٍ لاَ يَتَبَعَّضُ مِثْلُ عَبْدٍ اشْتَرَيْته فَلَمْ تَقْبِضْهُ حَتَّى حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ كُنْت فِيهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ رَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَك فَتَقْبِضَهُ غَيْرَ مَعِيبٍ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ مَا فَرْقُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ لاَ يَكُونُ الْعَبْدُ يَتَبَعَّضُ مِنْ الْعَيْبِ، وَلاَ الْعَيْبُ يَتَبَعَّضُ مِنْ الْعَبْدِ، فَقَدْ يَكُونُ الْمَسْكَنُ مُتَبَعِّضًا مِنْ الْمَسْكَنِ مِنْ الدَّارِ وَالْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ إذَا تَكَارَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْأَرْضَ عَشْرَ سِنِينَ بِمِائَةِ دِينَارٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُسَمِّيَ لِكُلِّ سَنَةٍ شَيْئًا مَعْلُومًا، وَإِذَا اكْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ أَرْضَهُ، أَوْ دَارِهِ فَقَالَ‏:‏ أَكْتَرِيهَا مِنْك كُلَّ سَنَةٍ بِدِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَمْ يُسَمِّ السَّنَةَ الَّتِي يَكْتَرِيهَا، وَلاَ السَّنَةَ الَّتِي يَنْقَطِعُ إلَيْهَا الْكِرَاءُ فَالْكِرَاءُ فَاسِدٌ لاَ يَجُوزُ إلَّا عَلَى أَمْرٍ يَعْرِفُهُ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي‏.‏

كَمَا لاَ تَجُوزُ الْبُيُوعُ إلَّا عَلَى مَا يُعْرَفُ، وَهَذَا كَلاَمٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْكِرَاءُ فِيهِ يَنْقَضِي إلَى مِائَةِ سَنَةٍ، أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَنَةً وَيُحْتَمَلُ أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ فَكَانَ هَذَا كِرَاءً مَجْهُولاً يَفْسَخُهُ قَبْلَ السُّكْنَى‏.‏

فَإِنْ فَاتَ فِيهِ السُّكْنَى جَعَلْنَا فِيهِ عَلَى الْمُكْتَرِي أَجْرَ مِثْلِهِ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا وَقَعَ بِهِ الْكِرَاءُ، أَوْ أَقَلَّ‏:‏ إذَا أَبْطَلْنَا أَصْلَ الْعَقْدِ فِيهِ وَصَيَّرْنَاهُ قِيمَةً لَمْ نَجْعَلْ الْبَاطِلَ دَلِيلاً عَلَى الْحَقِّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا زَرَعَ الرَّجُلُ أَرْضَ رَجُلٍ فَادَّعَى أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ أَكْرَاهُ، أَوْ أَعَارَهُ إيَّاهَا وَجَحَدَ رَبُّ الْأَرْضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ يَمِينِهِ وَيُقْلِعُ الزَّارِعُ فِي زَرْعِهِ وَعَلَى الزَّارِعِ كِرَاءُ مِثْلِ أَرْضِهِ إلَى يَوْمِ يُقْلِعُ زَرْعَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي إبَّانِ الزَّرْعِ، أَوْ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ إذَا كَانَ زَارِعُ الْأَرْضِ الْمُدَّعِي لِلْكِرَاءِ حَبَسَهَا عَنْ مَالِكِهَا فَإِنَّمَا أَحْكُمُ عَلَيْهِ حُكْمَ الْغَاصِبِ، وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ لِغَيْرِهِ لاَ يَسْتَطِيعُ إخْرَاجَهُ مِنْهَا إلَى أَنْ يَحْصُدَهُ فَالْكِرَاءُ مَفْسُوخٌ لاَ يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ الْمُكْتَرِي يَرَى الْأَرْضَ لاَ حَائِلَ دُونَهَا مِنْ الزَّرْعِ وَيَقْبِضُهَا لاَ حَائِلَ دُونَهَا مِنْ الزَّارِعِينَ لِأَنَّا نَجْعَلُهُ بَيْعًا مِنْ الْبُيُوعِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ لِرَجُلٍ عَيْنًا لاَ يَقْدِرُ الْمُبْتَاعُ عَلَى قَبْضِهَا حِينَ تَجِبُ لَهُ وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ، وَلاَ أَنْ نَجْعَلَ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَالْمُكْتَرِي الثَّمَنَ وَلَعَلَّ الْمُكْتَرَى أَنْ يَتْلَفَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ نَقُولَ لَهُ الثَّمَنُ دَيْنٌ إلَى أَنْ يَقْبِضَ فَذَلِكَ دَيْنٌ بِدَيْنٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ بِالسَّلَفِ فِي الْأَرْضِ وَالدَّارِ قَبْلَ أَنْ يَكْتَرِيَهُمَا وَيَقْبِضَهُمَا، وَلَكِنْ يَكْتَرِي الْأَرْضَ وَالدَّارَ وَيَقْبِضُهُمَا مَكَانَهُمَا لاَ حَائِلَ بَيْنَهُمَا وَمَتَى حَدَثَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَادِثٌ يَمْنَعُ مِنْ مَنْفَعَتِهِ رَجَعَ الْمُكْتَرِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ مِنْ يَوْمِ حَدَثَ الْحَادِثُ، وَهَكَذَا الْعَبْدُ وَجَمِيعُ الْإِجَارَاتِ وَلَيْسَ هَذَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ إنَّمَا الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ أَنْ تَنْعَقِدَ الْعُقْدَةُ عَلَى إيجَابِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ غَيْرَ مَعْلُومٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ لِلْمَبِيعِ حِصَّتَهُ مِنْ السَّلَفِ فِي أَصْلِ ثَمَنِهِ لاَ تُعْرَفُ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ مَا جَازَ لَك أَنْ تَشْتَرِيَهُ عَلَى الِانْفِرَادِ جَازَ لَك أَنْ تَكْتَرِيَهُ عَلَى الِانْفِرَادِ وَالْكِرَاءُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ وَكُلُّ مَا لَمْ يَجُزْ لَك أَنْ تَشْتَرِيَهُ عَلَى الِانْفِرَادِ لَمْ يَجُزْ لَك أَنْ تَكْتَرِيَهُ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً اكْتَرَى مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا بَيْضَاءَ لِيَزْرَعَهَا شَجَرًا قَائِمًا عَلَى أَنَّ لَهُ الشَّجَرُ وَأَرْضُهُ كَانَ فِي الشَّجَرِ ثُمَّ بَالَغَ، أَوْ غَضَّ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَانَ هَذَا كِرَاءً جَائِزًا كَمَا يَكُونُ بَيْعًا جَائِزًا قَالَ الرَّبِيعُ يُرِيدُ أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ الشَّجَرَ وَأَرْضَ الشَّجَرِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ تَكَارَى الْأَرْضَ بِالثَّمَرَةِ دُونَ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ قَدْ حَلَّ بَيْعُهَا جَازَ الْكِرَاءُ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهَا لَمْ يَحِلَّ الْكِرَاءُ بِهَا‏.‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا‏}‏ فَكَانَتْ الْآيَتَانِ مُطْلَقَتَيْنِ عَلَى إحْلاَلِ الْبَيْعِ كُلِّهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَلاَلَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فِي إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَجْهَلُوا مَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ، تَخُصُّ تَحْرِيمَ بَيْعٍ دُونَ بَيْعٍ فَنَصِيرُ إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ خَاصًّا وَعَامًّا وَوَجَدْنَا الدَّلاَلَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْرِيمِ شَيْئَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ التَّفَاضُلُ فِي النَّقْدِ، وَالْآخَرُ‏:‏ النَّسِيئَةُ كُلُّهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ يُحَرِّمُ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَكَذَلِكَ الْفِضَّةُ، وَكَذَلِكَ أَصْنَافٌ مِنْ الطَّعَامِ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ فَحُرِّمَ فِي هَذَا كُلِّهِ مَعْنَيَانِ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَأَبَاحَ التَّفَاضُلَ فِي الْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ وَحَرَّمَ فِيهِ كُلِّهِ النَّسِيئَةَ فَقُلْنَا‏:‏ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ هَكَذَا؛ لِأَنَّ نَصَّهُ فِي الْخَبَرِ وَقُلْنَا كُلُّ مَا كَانَ مَأْكُولاً وَمَشْرُوبًا هَكَذَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا نَصَّ فِي الْخَبَرِ، وَمَا سِوَى هَذَا فَعَلَى أَصْلِ الْآيَتَيْنِ مِنْ إحْلاَلِ اللَّهِ، الْبَيْعَ حَلاَلٌ كُلُّهُ بِالتَّفَاضُلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً فَكَانَتْ لَنَا بِهَذَا دَلاَئِلُ مَعَ وَصْفِنَا، مِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَاعَ عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ وَأَجَازَ ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ رضي الله عنهم، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ هَذَا الْخَبَرُ مَا جَازَ فِيهِ إلَّا هَذَا الْقَوْلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَوْ قَوْلٍ ثَانٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إذَا كَانَ الشَّيْئَانِ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَلاَ يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَعَيْنًا بِعَيْنٍ وَمِثْلاً بِمِثْلٍ كَمَا يَكُونُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فَلاَ بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً كَمَا يَكُونُ الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ وَالتَّمْرُ بِالْحِنْطَةِ‏.‏ ثُمَّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ بَعِيرٌ بِبَعِيرَيْنِ يَدًا بِيَدٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمَا مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ رِحْلَتُهُمَا وَنَجَابَتُهُمَا، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ يَدًا بِيَدٍ كَانَتْ النَّسِيئَةُ أَوْلَى أَنْ لاَ تَجُوزَ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ قَدْ يَخْتَلِفَانِ فِي الرِّحْلَةِ، وَكَذَلِكَ التَّمْرُ قَدْ يَخْتَلِفُ فِي الْحَلاَوَةِ وَالْجَوْدَةِ حَتَّى يَكُونَ الْمُدُّ مِنْ الْبَرْنِيِّ خَيْرًا مِنْ الْمُدَّيْنِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلاَ يَجُوزُ إلَّا مِثْلٌ بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ؛ لِأَنَّهُمَا تَمْرَانِ يُجْمَعَانِ مَعًا عَلَى صَاحِبِهِمَا فِي الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ، وَكَذَلِكَ الْبَعِيرَانِ جِنْسٌ يَجْتَمِعَانِ عَلَى صَاحِبِهِمَا فِي الصَّدَقَةِ، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ مِنْهُ مَا يَكُونُ الْمِثْقَالُ ثَمَنَ ثَلاَثِينَ دِرْهَمًا لِجَوْدَتِهِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ الْمِثْقَالُ بِشَيْءٍ أَقَلَّ مِنْهُ بِكَثِيرٍ لِتَفَاضُلِهِمَا، وَلاَ يَجُوزُ، وَإِنْ تَفَاضَلاَ أَنْ يُبَاعَا إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَيُجْمَعَانِ عَلَى صَاحِبِهِمَا فِي الصَّدَقَةِ، فَإِمَّا أَنْ تَجْرِيَ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا قِيَاسًا عَلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ كَمَا قُلْنَا وَبِالدَّلاَئِلِ الَّتِي وَصَفْنَا، وَبِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ يُسَلَّمَانِ فِيمَا سِوَاهُمَا بِخِلاَفِ مَا سِوَاهُمَا فِيهِمَا، فَأَمَّا أَنْ يَتَحَكَّمَ الْمُتَحَكِّمُ فَيَقُولُ مَرَّةً فِي شَيْءٍ مِنْ الْجِنْسِ لاَ يَجُوزُ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ قِيَاسًا عَلَى هَذَا‏.‏ ثُمَّ يَقُولُ مَرَّةً أُخْرَى لَيْسَ هُوَ مِنْ هَذَا فَإِنْ كَانَ هَذَا جَائِزًا لِأَحَدٍ جَازَ لِكُلِّ امْرِئٍ أَنْ يَقُولَ مَا خَطَر عَلَى قَلْبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْخَاطِرَ لاَ يَعْدُو أَنْ يُوَافِقَ أَثَرًا، أَوْ يُخَالِفَهُ، أَوْ قِيَاسًا أَوْ يُخَالِفَهُ، فَإِذَا جَازَ لِأَحَدٍ الْأَخْذُ بِالْأَثَرِ وَتَرْكُهُ وَالْأَخْذُ بِالْقِيَاسِ وَتَرْكُهُ لَمْ يَكُنْ هَا هُنَا مَعْنًى إلَّا أَنْ يَقُولَ امْرُؤٌ بِمَا شَاءَ، وَهَذَا مُحَرَّمٌ عَلَى النَّاسِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الْإِجَارَةُ كَمَا وَصَفْت بَيْعًا مِنْ الْبُيُوعِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ تَسْتَأْجِرَ الْعَبْدَ سَنَةً بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَتُعَجِّلَ الدَّنَانِيرَ، أَوْ تَكُونَ إلَى سَنَةٍ، أَوْ سَنَتَيْنِ، أَوْ عَشْرِ سِنِينَ فَلاَ بَأْسَ إنْ كَانَتْ عَلَيْك خَمْسَةُ دَنَانِيرَ حَالَّةً أَنْ تُؤَاجِرَ بِهَا عَبْدًا لَك مِنْ رَبِّ الدَّنَانِيرِ إذَا قَبَضَ الْعَبْدَ وَلَيْسَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ دَيْنًا بِدَيْنٍ الْحُكْمُ فِي الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ نَقْدًا غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَهُ يَسْتَوْفِي الْإِجَارَةَ فِي مُدَّةٍ تَأْتِي، وَلَوْلاَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ هَكَذَا مَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِدَيْنٍ أَبَدًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَا دَيْنٌ بِدَيْنٍ، وَلاَ عُرِفَتْ لَهَا وَجْهًا تَجُوزُ فِيهِ وَذَلِكَ أَنِّي إنْ قُلْت لاَ تَجِبُ الْإِجَارَةُ إلَّا بِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ مَا يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُنْعَقِدَةً وَالْمَنْفَعَةُ دَيْنٌ فَكَانَ هَذَا دَيْنًا بِدَيْنٍ‏.‏

وَلَوْ قُلْت‏:‏ يَجُوزُ أَنْ أَسْتَأْجِرَ مِنْك عَبْدَك بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ شَهْرًا، فَإِذَا مَضَى الشَّهْرُ دَفَعْت إلَيْك الْعَشَرَةَ كَانَتْ الْعَشَرَةُ دَيْنًا وَكَانَتْ الْمَنْفَعَةُ دَيْنًا فَكَانَ هَذَا دَيْنًا بِدَيْنٍ، وَلَوْ قُلْت أَدْفَع إلَيْك عَشْرَةً وَأَقْبِضُ الْعَبْدَ يَخْدُمُنِي شَهْرًا كَانَ هَذَا سَلَفًا فِي شَيْءٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ وَسَلَفًا غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَى صَاحِبِهِ وَكَانَ هَذَا فِي هَذِهِ الْمَعَانِي كُلِّهَا إبْطَالُ الْإِجَارَاتِ، وَقَدْ أَجَازَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَجَازَتْهَا السُّنَّةُ وَأَجَازَهَا الْمُسْلِمُونَ، وَقَدْ كَتَبْنَا تَثْبِيتَ إجَازَتِهَا فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَا قُلْت كَمَا قُلْت إنْ دَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ دَارٍ وَعَبْدٍ إلَى الْمُسْتَأْجَرِ دَفَعَ الْعَيْنَ الَّتِي فِيهَا الْمَنْفَعَةُ فَيَحِلُّ فِي الْإِجَارَةِ النَّقْدُ وَالتَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّ هَذَا نَقْدٌ بِنَقْدٍ وَنَقْدٌ بِدَيْنٍ مَا جَازَتْ الْإِجَارَاتُ بِحَالٍ أَبَدًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَهِيَ لاَ يُقْدَرُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فِيهَا إلَّا فِي مُدَّةٍ تَأْتِي قُلْنَا قَدْ عَقَلْنَا أَنَّ الْإِجَارَاتِ مُنْذُ كَانَتْ هَكَذَا، فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الطَّعَامِ يُبْتَاعُ كَيْلاً فَتُشْرَعُ فِي كَيْلِهِ فَلاَ تَأْخُذْ مِنْهُ ثَانِيًا أَبَدًا إلَّا بَعْدَ بَادِئٍ، وَكَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يُمْكِنُك فِيهِ غَيْرُ هَذَا، وَكَذَلِكَ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةُ لاَ يُمْكِنُ فِيهِمَا أَبَدًا غَيْرُ هَذَا فَأَمَّا مَنْ قَالَ مِمَّنْ أَجَازَ الْإِجَارَاتِ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَبْدَ شَهْرًا بِدِينَارٍ، أَوْ شَهْرَيْنِ، أَوْ ثَلاَثَةً ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِي عَلَيْك دِينَارٌ فَأَسْتَأْجِرُهُ مِنْك بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ بِدَيْنٍ فَاَلَّذِي أَجَازَ هُوَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ دَيْنًا لاَ شَكَّ وَاَلَّذِي أَبْطَلَ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُجِيزَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِي أَنْ يَكُونَ لِي عَلَيْك دِينَارٌ فَآخُذُ بِهِ مِنْك دَرَاهِمَ وَيَكُونُ كَيْنُونَتُهُ عَلَيْك كَقَبْضِك إيَّاهُ مِنْ يَدِي، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَك دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ مُؤَجَّلٍ وَيَزْعُمُ هُنَا فِي الصَّرْفِ أَنَّهُ نَقْدٌ وَيَزْعُمُ فِي الْإِجَارَةِ أَنَّهُ دَيْنٌ فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ أَنَّهُ نَقْدٌ فِيهِمَا جَمِيعًا، أَوْ دَيْنٌ فِيهِمَا جَمِيعًا فَإِنْ جَازَ هَذَا جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ نَقْدًا حَيْثُ جَعَلَهُ دَيْنًا وَدَيْنًا حَيْثُ جَعَلَهُ نَقْدًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الْبُيُوعُ الصَّحِيحَةُ صِنْفَانِ‏:‏ بَيْعُ عَيْنٍ يَرَاهَا الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ، وَبَيْعُ صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْبَائِعِ، وَبَيْعٌ ثَالِثٌ وَهُوَ الرَّجُلُ يَبِيعُ السِّلْعَةَ بِعَيْنِهَا غَائِبَةً عَنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي غَيْرَ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْبَائِعِ إنْ سَلِمَتْ السِّلْعَةُ حَتَّى يَرَاهَا الْمُشْتَرِي كَانَ فِيهَا بِالْخِيَارِ بَاعَهُ إيَّاهَا عَلَى صِفَةٍ وَكَانَتْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ الَّتِي بَاعَهُ إيَّاهَا أَوْ مُخَالِفَةً لِتِلْكَ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الصِّفَاتِ الَّتِي تَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ مَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَى صَاحِبِهِ، وَلاَ يَتِمُّ الْبَيْعُ فِي هَذَا حَتَّى يَرَى الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ فَيَرْضَاهَا وَيَتَفَرَّقَانِ بَعْدَ الْبَيْعِ مِنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي رَآهَا فِيهِ فَحِينَئِذٍ يَتِمُّ الْبَيْعُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فِي سِلْعَةٍ حَاضِرَةٍ اشْتَرَاهَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ عَنْ تَرَاضٍ فَيَلْزَمُهُمَا، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ هَذِهِ السِّلْعَةُ بِعَيْنِهَا إلَى أَجَلٍ مِنْ الْآجَالِ قَرِيبٍ، وَلاَ بَعِيدٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالْأَجَلِ وَيَجُوزُ فِيمَا حَلَّ لِصَاحِبِهِ وَأَخَذَهُ مُشْتَرِيه وَلَزِمَهُ بِكُلِّ وَجْهٍ‏.‏

فَأَمَّا بَيْعٌ لَمْ يَلْزَمْ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إلَى أَجَلٍ وَكَيْفَ يَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ، وَلَمْ يَتِمَّ لَهُ بَيْعٌ، وَلَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يَرْضَهُ‏؟‏ فَإِنْ تَطَوَّعَ فَنَقَدَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ رَضِيَ كَانَ نَقْدُ الثَّمَنِ، وَإِنْ سَخِطَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ بِهَذَا بَأْسٌ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ، وَلاَ أَنْ أُسَلِّفَك فِي الطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ فَآخُذَ مِنْك بَعْدَ مَجِيءِ الْأَجَلِ بَعْضَ طَعَامٍ وَبَعْضَ رَأْسِ مَالٍ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ هَذَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا، أَوْ مَا كَانَ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُمَا، أَوْ مَعْنَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ بِسَبِيلٍ، أَلاَ تَرَى أَنَّ مَعْقُولاً لاَ شَكَّ فِيهِ فِي الْحَدِيثِ إذَا كَانَ إنَّمَا نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ فَإِنَّمَا نَهَى أَنْ يُجْمَعَا وَنَهْيُهُ أَنْ يُجْمَعَا مَعْقُولٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَثْمَانَ لاَ تَحِلُّ إلَّا مَعْلُومَةً، فَإِذَا اشْتَرَيْت شَيْئًا بِعَشْرَةٍ عَلَى أَنْ أُسَلِّفَك عَشْرَةً أَوْ تُسَلِّفَنِي عَشْرَةً فَهَذَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْهُمَا مَعْلُومَ السَّلَفِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لِلْمُسْتَسْلِفِ فَلَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ أَوْ لاَ تَرَى بِأَنْ لاَ بَأْسَ بِأَنْ أَبِيعَك عَلَى حِدَةٍ وَأُسَلِّفَك عَلَى حِدَةٍ إنَّمَا النَّهْيُ أَنْ يَكُونَا بِالشَّرْطِ مَجْمُوعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ، فَأَمَّا إذَا أَعْطَيْتُك عَشْرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى مِائَةِ فِرْقٍ إلَى أَجَلٍ فَحَلَّتْ فَإِنَّمَا لِي عَلَيْك الْمِائَةُ فَإِنْ أَخَذْتهَا كُلَّهَا فَهِيَ مَالِي، وَإِنْ أَخَذْت بَعْضَهَا فَهِيَ مَالِي وَأُقِيلُك فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا بِإِحْدَاثِ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيَّ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ عَقْدِ الْبَيْعِ فَيَحْرُمُ بِهِ الْبَيْعُ، وَإِذَا جَازَ أَنْ أُقِيلَك مِنْهَا كُلِّهَا فَيَكُونُ هَذَا إحْدَاثُ إقَالَةٍ لَمْ تَكُنْ عَلَيَّ جَازَ هَذَا فِي بَعْضِهَا‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الْبَيْعُ بَيْعَانِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا أَحَدُهُمَا بَيْعُ عَيْنٍ يَرَاهَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عِنْدَ تَبَايُعِهِمَا وَبَيْعٌ مَضْمُونٌ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ وَكَيْلٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُقْبَضُ فِيهِ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ وَقَدْ كَانَ الشَّافِعِيُّ يُجِيزُ بَيْعَ السِّلْعَةِ بِعَيْنِهَا غَائِبَةً بِصِفَةٍ ثُمَّ قَالَ لاَ يَجُوزُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا قَدْ تَتْلَفُ فَلاَ يَكُونُ يَتِمُّ الْبَيْعُ فِيهَا فَلَمَّا كَانَتْ مَرَّةً تَسْلَمُ فَيَتِمُّ الْبَيْعُ وَمَرَّةً تَعْطَبُ فَلاَ يَتِمُّ الْبَيْعُ كَانَ هَذَا مَفْسُوخًا‏.‏

كِرَاءُ الدَّوَابِّ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ وَإِذَا تَكَارَى رَجُلٌ دَابَّةً مِنْ مَكَّةَ إلَى مَرٍّ فَرَكِبَهَا إلَى الْمَدِينَةِ فَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ الَّذِي تَرَاضَيَا عَلَيْهِ إلَى مَرٍّ‏.‏

فَإِنْ سَلِمَتْ الدَّابَّةُ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا إلَى الْمَدِينَةِ، وَإِنْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ فَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ إلَى مَرٍّ وَقِيمَةُ الدَّابَّةِ، وَإِنْ نَقَصَتْ بِعَيْبٍ دَخَلَهَا مِنْ رُكُوبِهِ فَأَثَّرَ فِيهَا مِثْلَ الدَّبْرِ وَالْعَوَرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ رَدَّهَا وَأَخَذَ قِيمَةَ مَا نَقَصَهَا كَمَا يَأْخُذُ قِيمَتَهَا لَوْ هَلَكَتْ، وَإِذَا رَجَعَتْ إلَى صَاحِبِهَا أَخَذَ مَا نَقَصَهَا وَكِرَاءَ مِثْلِهَا إلَى حَيْثُ تَعَدَّى، وَإِذَا هَلَكَتْ الدَّابَّةُ فَلَمْ يَتَعَدَّ الْمُكْتَرِي الْبَلَدَ الَّذِي تَكَارَاهَا إلَيْهِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ بِأَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا لَيْسَ لَهُ، وَلاَ أَنْ يَرْكَبَهَا رُكُوبًا لاَ تَرْكَبُهُ الدَّوَابُّ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ ذَاهِبًا وَجَائِيًا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ فِي الذَّهَابِ نِصْفُ الْكِرَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الذَّهَابُ وَالْجِيئَةُ يَخْتَلِفَانِ فَيُقْسَمُ الْكِرَاءُ عَلَى قَدْرِ اخْتِلاَفِهِمَا بِقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاخْتِلاَفِهِمَا، وَلَوْ تَعَدَّى عَلَيْهَا بَعْدَمَا بَلَغَتْ الْمَكَانَ الَّذِي تَكَارَهَا إلَيْهِ مِيلاً، أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ رَدَّهَا فَعَطِبَتْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اكْتَرَاهَا إلَيْهِ ضَمِنَ لاَ يَخْرُجُ مِنْ الضَّمَانِ الَّذِي تَعَدَّى إلَّا بِأَدَائِهَا سَالِمَةً إلَى رَبِّهَا‏.‏

الْإِجَارَاتُ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ قَائِلٌ لَيْسَ كِرَاءُ الْبُيُوتِ، وَلاَ الْأَرْضِينَ، وَلاَ الظَّهْرِ يُلاَزِمُ، وَلاَ جَائِزٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَالتَّمْلِيكُ بَيْعٌ وَلَمَّا رَأَيْنَا الْبُيُوعَ تَقَعُ عَلَى أَعْيَانِ حَاضِرَةٍ تُرَى وَأَعْيَانٍ غَائِبَةٍ مَوْصُوفَةٍ مَضْمُونَةٍ، وَالْكِرَاءُ لَيْسَ بِعَيْنٍ حَاضِرٍ، وَلاَ غَائِبٍ يُرَى أَبَدًا وَرَأَيْنَا مَنْ أَجَازَهُمَا، قَالَ إذَا انْهَدَمَ الْمَنْزِلُ، أَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ انْتَقَضَ الْكِرَاءُ وَالْإِجَارَةُ فِيهِمَا، وَإِنَّمَا التَّمْلِيكُ مَا انْقَطَعَ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ إلَى مَنْ مَلَّكَهُ إيَّاهُ، وَهُوَ إذَا مَلَكَ مُسْتَأْجِرُهُ مَنْفَعَتَهُ فَالْإِجَارَةُ لَيْسَتْ هَكَذَا مِلْكُ الْعَبْدِ لِمَالِكِهِ، وَمَنْفَعَتُهُ لِمُسْتَأْجِرِهِ إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي تُشْتَرَطُ وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ مَجْهُولَةٌ أَيْضًا مُخْتَلِفَةٌ بِقَدْرِ نَشَاطِهِ وَبَذْلِهِ وَكَسَلِهِ وَضَعْفِهِ وَكَذَلِكَ الرُّكُوبُ مُخْتَلِفٌ فَفِيهَا أُمُورٌ تُفْسِدُهَا وَهِيَ عِنْدَنَا بَيْعٌ وَالْبُيُوعُ مَا وَصَفْنَا، وَمَنْ أَجَازَهَا، فَقَدْ يَحْكُمُ فِيهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ وَيُخَالِفُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ فِي أَنَّهَا تَمْلِيكٌ وَلَيْسَتْ مُحَاطًا بِهَا، فَإِنْ قَالَ أُشَبِّهُهَا بِالْبَيْعِ فَلْيَحْكُمْ لَهَا بِحُكْمِهِ، وَإِنْ قَالَ هِيَ بَيْعٌ، فَقَدْ أَجَازَ فِيهَا مَا لاَ يُجِيزُهُ فِي الْبَيْعِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا الْقَوْلُ جَهْلٌ مِمَّنْ قَالَهُ وَالْإِجَارَاتُ أُصُولٌ فِي أَنْفُسِهَا بُيُوعٌ عَلَى وَجْهِهَا، وَهَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏ فَأَجَازَ الْإِجَارَةَ عَلَى الرَّضَاعِ وَالرَّضَاعُ يَخْتَلِفُ لِكَثْرَةِ رَضَاعِ الْمَوْلُودِ وَقِلَّتِهِ وَكَثْرَةِ اللَّبَنِ وَقِلَّتِهِ، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ إلَّا هَذَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ، وَإِذَا جَازَتْ عَلَيْهِ جَازَتْ عَلَى مِثْلِهِ وَمَا هُوَ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ وَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ أَبَيْنَ مِنْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْإِجَارَةَ فِي كِتَابِهِ وَعَمِلَ بِهَا بَعْضُ أَنْبِيَائِهِ‏.‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏قَالَتْ إحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرَتْ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قَالَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَك إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ‏}‏ الآيَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِ آجَرَ نَفْسَهُ حِجَجًا مُسَمَّاةً مَلَّكَهُ بِهَا بِضْعَ امْرَأَةٍ، فَدَلَّ عَلَى تَجْوِيزِ الْإِجَارَةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهَا عَلَى الْحِجَجِ إنْ كَانَ عَلَى الْحِجَجِ اسْتَأْجَرَهُ، وَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى غَيْرِ حِجَجٍ فَهُوَ تَجْوِيزُ الْإِجَارَةِ بِكُلِّ حَالٍ، وَقَدْ قِيلَ‏:‏ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَمَضَتْ بِهَا السُّنَّةُ وَعَمِلَ بِهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا عَلِمْنَاهُ فِي إجَارَتِهَا وَعَوَامُّ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَنْظَلَةَ مِنْ قَيْسٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ فَقَالَ‏:‏ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ فَقَالَ‏:‏ أَبِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ «أَمَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَرَافِعٌ سَمِعَ النَّهْيَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا سَمِعَ، وَإِنَّمَا حَكَى رَافِعٌ النَّهْيَ عَنْ كِرَائِهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ تُكْرَى، وَقَدْ يَكُونُ سَالِمٌ سَمِعَ عَنْ رَافِعٍ بِالْخَبَرِ جُمْلَةً فَرَأَى أَنَّهُ حَدَثَ بِهِ عَنْ الْكِرَاءِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلَمْ يَرَ بِالْكِرَاءِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بَأْسًا؛ لِأَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَرْضَ تُكْرَى بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَقَدْ بَيَّنَهُ غَيْرُ مَالِكٍ عَنْ رَافِعٍ أَنَّهُ عَلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ اسْتِكْرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ لاَ بَأْسَ بِهِ‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ شَبِيهًا بِهِ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ مِثْلَهُ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَكَارَى أَرْضًا فَلَمْ تَزَلْ بِيَدِهِ حَتَّى هَلَكَ قَالَ ابْنُهُ‏:‏ فَمَا كُنْت أَرَاهَا إلَّا أَنَّهَا لَهُ مِنْ طُولِ مَا مَكَثَتْ بِيَدِهِ حَتَّى ذَكَرَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَمَرَنَا بِقَضَاءِ شَيْءٍ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِرَائِهَا مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ وَرِقٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْإِجَارَاتُ صِنْفٌ مِنْ الْبُيُوعِ؛ لِأَنَّ الْبُيُوعَ كُلَّهَا إنَّمَا هِيَ تَمْلِيكٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ يَمْلِكُ بِهَا الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي فِي الْعَبْدِ وَالْبَيْتِ وَالدَّابَّةِ إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي اشْتَرَطَ حَتَّى يَكُونَ أَحَقَّ بِالْمَنْفَعَةِ الَّتِي مَلَكَ مِنْ مَالِكِهَا وَيَمْلِكُ بِهَا مَالِكٌ الدَّابَّةَ وَالْبَيْتَ الْعِوَضَ الَّذِي أَخَذَهُ عَنْهَا، وَهَذَا الْبَيْعُ نَفْسُهُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ قَدْ تُخَالِفُ الْبُيُوعُ فِي أَنَّهَا بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا وَأَنَّهَا غَيْرُ عَيْنٍ إلَى مُدَّةٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَهِيَ مَنْفَعَةٌ مَعْقُولَةٌ مِنْ عَيْنٍ مَعْرُوفَةٍ فَهِيَ كَالْعَيْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْبُيُوعُ قَدْ تَجْتَمِعُ فِي مَعْنَى أَنَّهَا مِلْكٌ وَتَخْتَلِفُ فِي أَحْكَامِهَا، وَلاَ يَمْنَعُهَا اخْتِلاَفُهَا فِي عَامَّةِ أَحْكَامِهَا وَأَنَّهُ يَضِيقُ فِي بَعْضِهَا الْأَمْرُ وَيَتَّسِعُ فِي غَيْرِهِ مِنْ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا بُيُوعًا يُحَلِّلُهَا مَا يُحَلِّلُ الْبَيْعَ وَيُحَرِّمُهَا مَا يُحَرِّمُ الْبَيْعَ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ تَخْتَلِفُ بَعْدُ فِي مَعَانٍ أُخَرُ فَلاَ يَبْطُلُ صِنْفٌ مِنْهَا خَالَفَ صِنْفًا فِي بَعْضِ أَمْرِهِ بِخِلاَفِهِ صَاحِبَهُ، وَإِنْ كَانَا قَدْ يَتَّفِقَانِ فِي مَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي اخْتَلَفَا فِيهِ فَالْبُيُوعُ لاَ تَحِلُّ إلَّا بِرِضًا مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَعِنْدَنَا لاَ تَجِبُ إلَّا بِأَنْ يَتَفَرَّقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مِنْ مَقَامِهِمَا، أَوْ أَنْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَخْتَارُ إجَازَةَ الْبَيْعِ ثُمَّ تَخْتَلِفُ الْبُيُوعُ فَيَكُونُ مِنْهَا الْمُتَصَارِفَانِ لاَ يَحِلُّ لَهُمَا أَنْ يَتَبَايَعَا ذَهَبًا بِذَهَبٍ، وَإِنْ تَفَاضَلَتْ الذَّهَبُ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ ثُمَّ يَكُونَانِ إنْ تَصَارَفَا ذَهَبًا بِوَرِقٍ فَلاَ بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ تَفَرَّقَ الْمُتَصَارِفَانِ الْأَوَّلاَنِ، أَوْ هَذَانِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا انْتَقَضَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ الْمُتَبَايِعَانِ السِّلْعَةَ سِوَى الصَّرْفِ يَتَبَايَعَانِ الثَّوْبَ بِالنَّقْدِ وَيَقْبِضُ الثَّوْبَ الْمُشْتَرِي، وَلاَ يَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ حِينٍ فَلاَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ السَّلَفُ فِي الشَّيْءِ الْمَضْمُونِ إلَى أَجَلٍ يُعَجِّلُ الثَّمَنَ وَيَكُونُ الْمُشْتَرَى غَيْرَ حَالٍّ عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ مَضْمُونًا وَيُضَيَّقُ فِيمَا كَانَ يَكُونُ غَيْرَ هَذَا مِنْ الْبُيُوعِ الَّتِي جَازَتْ فِي هَذَا مَعَ اخْتِلاَفِ الْبُيُوعِ فِي غَيْرِ هَذَا وَكُلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ جُمْلَةً اسْمُ الْبَيْعِ، وَلاَ يَحِلُّ إلَّا بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا فَحُكْمُهُمَا فِي هَذَا وَاحِدٌ وَفِي سِوَاهُ مُخْتَلِفٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَبْضُ الْإِجَارَاتِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دَفْعُ الثَّمَنِ كَمَا يَجِبُ دَفْعُ الثَّمَنِ إذَا دُفِعَتْ السِّلْعَةُ الْمُشْتَرَاةُ بِعَيْنِهَا أَنْ يَدْفَعَ الشَّيْءَ الَّذِي فِيهِ الْمَنْفَعَةُ إنْ كَانَ عَبْدًا اُسْتُؤْجِرَ دَفَعَ الْعَبْدَ، وَإِنْ كَانَ بَعِيرًا دَفَعَ الْبَعِيرَ، وَإِنْ كَانَ مَسْكَنًا دَفَعَ الْمَسْكَنَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي فِيهِ كَمَالُ الشَّرْطِ إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي اشْتَرَطَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يُوجَدُ لَهُ دَفْعٌ إلَّا هَكَذَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ هَذَا دَفْعُ مَا لاَ يُعْرَفُ فَهَذَا مِنْ عِلَّةِ أَهْلِ الْجَهَالَةِ الَّذِينَ أَبْطَلُوا الْإِجَارَاتِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْمَنْفَعَةُ مِنْ عَيْنٍ مَعْرُوفَةٍ قَائِمَةٍ إلَى مُدَّةٍ كَدَفْعِ الْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ غَيْرَ عَيْنٍ تُرَى فَهِيَ مَعْقُولَةٌ مِنْ عَيْنٍ وَلَيْسَ دَفْعُ الْمَنْفَعَةِ بِدَفْعِ الشَّيْءِ الَّذِي بِهِ الْمَنْفَعَةُ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ غَيْرَ عَيْنٍ تُرَى حِينَ دُفِعَتْ فَأَوْلَى أَنْ يَفْسُدَ الْبَيْعُ مِنْ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ عَيْنٍ، وَإِذَا صَحَّ أَنْ يَمْلِكَهَا مِنْ السِّلْعَةِ وَالْمَسْكَنِ وَهِيَ غَيْرُ عَيْنٍ، وَلاَ مَضْمُونَةٍ فَلَمْ تَفْسُدْ كَمَا زَعَمَ مَنْ أَفْسَدَهَا؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ عَيْنٍ فَهِيَ كَالْعَيْنِ بِأَنَّهَا مِنْ عَيْنٍ، فَكَأَنَّهُ شَيْءٌ انْتَفَعُوا بِهِ مِنْ عَيْنٍ مَعْرُوفَةٍ وَأَجَازَهُ الْمُسْلِمُونَ لَهُ فَدَفَعَهُ إذَا دَفَعَ كَمَا لاَ يُسْتَطَاعُ غَيْرُهُ أَوْلَى أَنْ يَقُومَ مَقَامَ الدَّفْعِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالدَّفْعُ أَخَفُّ مِنْ مِلْكِ الْعُقْدَةِ؛ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ تَفْسُدُ فَيَبْطُلُ الدَّفْعُ وَالدَّفْعُ يَفْسُدُ، وَلاَ تَفْسُدُ الْعُقْدَةُ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ مَعْرُوفًا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ مِنْ عَيْنٍ فَيَصِحُّ وَيَلْزَمُ كَمَا يَصِحُّ مِلْكُ الْأَعْيَانِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الدَّفْعُ لِلْعَيْنِ الَّتِي فِيهَا الْمَنْفَعَةُ يَقُومُ مَقَامَ دَفْعِ الْأَعْيَانِ إذَا دُفِعَتْ الْعَيْنُ الَّتِي فِيهَا الْمَنْفَعَةُ فَهُوَ كَدَفْعِ الْعَيْنِ إذَا كَانَ هَذَا الدَّفْعُ الَّذِي لاَ يُسْتَطَاعُ فِيهَا غَيْرُهُ أَبَدًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقَالَ قَوْلَنَا فِي إجَازَةِ الْإِجَارَاتِ بَعْضُ النَّاسِ وَشَدَّدَهَا وَاحْتَجَّ فِيهَا بِالْآثَارِ وَزَعَمَ أَنَّ مَا احْتَجَجْنَا بِهِ فِيهَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا فِي رَدِّهَا لاَ يَخْرُجُ مِنْهَا ثُمَّ عَادَ لِمَا ثَبَتَ مِنْهَا فَقَالَ فِيهَا أَقَاوِيلَ كَأَنَّهُ عَمَدَ نَقْضَ بَعْضِ مَا ثَبَتَ مِنْهَا وَتَوْهِينَ مَا شُدِّدَ فَقَالَ‏:‏ الْإِجَارَاتُ جَائِزَةٌ، وَقَالَ‏:‏ إذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ عَبْدًا، أَوْ مَنْزِلاً لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَ الْمُؤَجَّرَ بِالْإِجَارَةِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الْإِجَارَةِ بِقَدْرِ مَا اُخْتُدِمَ الْعَبْدُ، أَوْ سَكَنَ الْمَسْكَنَ كَأَنَّهُ تَكَارَى بَيْتًا بِثَلاَثِينَ دِرْهَمًا فِي كُلِّ شَهْرٍ فَمَا لَمْ يَسْكُن لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ثُمَّ إذَا سَكَنَ يَوْمًا، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ ثُمَّ هَكَذَا عَلَى هَذَا الْحِسَابِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ الْخَبَرُ وَإِجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ بِإِجَازَةِ الْإِجَارَةِ ثَابِتٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَك وَالْإِجَارَةُ مِلْكٌ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْمَنْفَعَةِ وَمِنْ الْمُؤَجَّرِ لِلْعِوَضِ الَّذِي بِالْمَنْفَعَةِ وَالْبُيُوعُ إنَّمَا هِيَ تَحْوِيلُ الْمِلْكِ مِنْ شَيْءٍ لِمُلْكِ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ لَيْسَتْ الْإِجَارَةُ بِبَيْعٍ قُلْنَا وَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهَا لَيْسَتْ بِبَيْعٍ وَهِيَ تَمْلِيكُ شَيْءٍ بِتَمْلِيكِ غَيْرِهِ‏؟‏ قَالَ، أَلاَ تَرَى أَنَّ لَهَا اسْمًا غَيْرَ الْبَيْعِ‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ قَدْ يَكُونُ لِلْبُيُوعِ أَسْمَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ تُعْرَفُ دُونَ الْبُيُوعِ وَالْبُيُوعُ تَجْمَعُهَا مِثْلَ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ يُعْرَفَانِ بِلاَ اسْمِ بَيْعٍ، وَهُمَا مِنْ الْبُيُوعِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَك قَالَ‏:‏ فَكَيْفَ يَقَعُ الْبَيْعُ مَغِيبًا لَعَلَّهُ لاَ يَتِمُّ قُلْنَا أَوْ لَيْسَ قَدْ نُوقِعُ نَحْنُ وَأَنْتَ الْبَيْعَ عَلَى الْمَغِيبِ إلَى الْمُدَّةِ الْبَعِيدَةِ فِي السَّلَمِ وَنُوقِعُهَا أَيْضًا عَلَى الرُّطَبِ بِكَيْلٍ وَالرُّطَبُ قَدْ يَنْفَدُ ثُمَّ تُخَيِّرُ أَنْتَ الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَقْبِضْ حَتَّى يَنْفَدَ فِي رَدِّهِ إلَى رَأْسِ مَالِهِ وَأَنْ تَتْرُكَ إلَى رُطَبٍ قَابِلٍ فَإِمَّا أَخَّرَ مَالَهُ عَنْ غَلَّةِ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ أُخْرَى وَإِمَّا رَجَعَ إلَيْهِ رَأْسُ مَالِهِ بَعْدَ حَبْسِهِ، وَقَدْ كَانَ يَمْلِكُ بِهِ رُطَبًا بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ فَلَمْ يَقْبِضْ مَا مَلَكَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدَيْهِ رَأْسُ مَالِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ هَذَا كُلُّهُ مَضْمُونٌ قُلْنَا‏:‏ أَوَلَسْت قَدْ جَعَلَتْهُ مَضْمُونًا ثُمَّ صِرْت إلَى أَنْ تَحْكُمَ بِهِ فِي الْمَضْمُونِ بِأَحَدِ حُكْمَيْنِ تُخَيِّرُهُ أَنْتَ فِي أَنْ يَرُدَّ رَأْسَ الْمَالِ وَتُبْطِلُ مَا وَجَبَ لَهُ وَضَمِنَ الرُّطَبَ بَعْدَمَا انْتَفَعَ بِهِ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ وَلَمْ يَنْتَفِعْ الْمُسَلِّمُ، وَإِمَّا أَنْ يُؤَخِّرَ مَالَهُ عَنْ غَلَّةِ سَنَةٍ بِلاَ طِيبٍ مِنْ نَفْسِهِ إلَى سَنَةٍ أُخْرَى فَقَالَ هَذَا كُلُّهُ كَمَا قُلْت، وَلَكِنِّي لاَ أَجِدُ غَيْرَهُ فِيهِ قُلْت‏:‏ فَإِذَا كَانَ قَوْلُك لاَ أَجِدُ غَيْرَهُ فِيهِ حُجَّةً فَكَيْفَ لَمْ تَجْعَلْ لَنَا الَّذِي هُوَ أَوْضَحُ وَأَبْيَنُ وَنَحْنُ لاَ نَجِدُ فِيهِ غَيْرَهُ حُجَّةً‏؟‏ قَالَ وَمَا ذَاكَ‏؟‏ قُلْنَا زَعَمْنَا أَنَّ الْبُيُوعَ تَجُوزُ وَيَحِلُّ ثَمَنُهَا مَقْبُوضًا وَأَنَّ الْقَبْضَ مُخْتَلِفٌ، فَمِنْهُ مَا يُقْبَضُ بِالْيَدِ وَمِنْهُ مَا يُدْفَعُ إلَيْهِ الْمِفْتَاحُ وَذَلِكَ فِي الدُّورِ وَمِنْهُ مَا يُخَلَّى الْمَالِكُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ لاَ يُغْلِقُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَقْبِضُهُ بِيَدِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَرْضِ الْمَحْدُودَةِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُشَاعٌ فِي الْأَرْضِ لاَ يُدْرَى أَشَرْقِيُّهَا هُوَ أَمْ غَرْبِيُّهَا‏؟‏ غَيْرَ أَنَّهُ شَرِيكٌ فِي كُلِّهَا وَمِنْهُ مَا هُوَ مُشَاعٌ فِي الْعَبْدِ لاَ يَنْفَصِلُ أَبَدًا وَكُلُّ هَذَا يُقَالُ لَهُ دَفْعٌ يُقْبَضُ بِهِ الثَّمَنُ وَيَجِبُ دَفْعُهُ وَيَتِمُّ بِهِ الْبَيْعُ، وَهُوَ قَبْضٌ مُخْتَلِفٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يُوجَدُ فِيهِ مَعَ اخْتِلاَفِهِ غَيْرَ هَذَا‏.‏

فَلَوْ قَالَ لَك مُشْتَرِي نِصْفَ الْعَبْدِ‏:‏ الْبَيْعُ يَتِمُّ مَقْبُوضًا وَالْقَبْضُ مَا يَكُونُ مُنْفَصِلاً مَعْرُوفًا وَلَيْسَ يَكُونُ فِي نِصْفِ الْعَبْد قَبْضٌ فَأَنَا أَنْقُضُ الْبَيْعَ قُلْت‏:‏ الْقَبْضُ يَخْتَلِفُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَ نِصْفِ الْعَبْدِ حَائِلٌ وَسَلَّمَهُ إلَيْك فَهَذَا الْقَبْضُ الَّذِي لاَ يُسْتَطَاعُ غَيْرُهُ فِي هَذَا وَمِنْ الدَّفْعِ الَّذِي لاَ يُسْتَطَاعُ غَيْرُهُ، فَقَدْ وَجَبَ لَهُ الثَّمَنُ فَالْمَنْفَعَةُ الَّتِي فِي الْعَبْدِ بِالْإِجَارَةِ لاَ يُسْتَطَاعُ دَفْعُهَا إلَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ الْعَبْدَ، أَوْ الْمَسْكَنَ، فَإِذَا دَفَعْت كَمَا لاَ يُسْتَطَاعُ غَيْرُهُ فَلِمَ لاَ يَجِبُ مَا تَمْلِكُ بِهِ الْمَنْفَعَةَ‏؟‏ مَا بَيْنَ هَذَا فَرْقٌ وَقَبْضُ الْإِجَارَةِ إنَّمَا هُوَ دَفْعُ الَّذِي فِيهِ الْإِجَارَةُ وَسَلاَمَتُهُ، فَإِذَا دَفَعَ الدَّارَ وَسَلِمَتْ فَلَهُ سُكْنَاهَا إلَى الْمُدَّةِ، وَإِذَا دَفَعَ الْعَبْدَ وَسَلِمَ فَلَهُ خِدْمَتُهُ إلَى مُدَّةِ شَرْطِهِ وَخِدْمَتِهِ حَرَكَةً يُحْدِثُهَا الْعَبْدُ وَلَيْسَتْ فِي الدَّارِ حَرَكَةٌ تُحْدِثُهَا إنَّمَا مَنْفَعَتُهُ فِيهَا مَحَلِّيَّتُهُ إيَّاهَا، وَلاَ يُسْتَطَاعُ أَبَدًا فِي دَفْعِ مَا مَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ غَيْرَ تَسْلِيمِ مَا فِيهِ الْمَنْفَعَةُ إلَيْهِ وَسَلاَمَةُ مَا فِيهِ الْمَنْفَعَةُ حَتَّى تَتِمَّ الْمَنْفَعَةُ إلَى مُدَّتِهَا‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَهَذَا لَيْسَ كَدَفْعِ الْأَعْيَانِ الْأَعْيَانَ بِدَفْعٍ يُرَى، وَهَذَا بِدَفْعٍ لاَ يُرَى، قِيلَ‏:‏ وَمَا يَخْتَلِفُ دَفْعُ الْأَعْيَانِ فِيهِ فَتَكُونُ عَيْنًا أَشْتَرِيهَا بِعَيْنِهَا عِنْدَك وَنِصْفٌ لِي فَإِذَا رَأَيْتهَا كُنْت بِالْخِيَارِ، وَقَدْ كَانَتْ عِنْدَ تَبَايُعِنَا عَيْنًا مَضْمُونَةً كَالسَّلَمِ مَضْمُونًا وَيَكُونُ السَّلَمُ بِالصِّفَةِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَيَجِبُ ثَمَنُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ لاَ عَيْنٌ، فَإِذَا أَرَادَ الْمُسَلِّمُ نَقْضَ الْبَيْعِ، أَوْ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ جَاءَ بِهِ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ فَقَالَ الْمُسَلِّمُ‏:‏ لاَ أَرْضَى، قُلْت لَهُ‏:‏ لَيْسَ ذَلِكَ لَك إذَا جَاءَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي شُرِطَتْ لَمْ يَكُنْ لَك خِيَارٌ قَالَ بَلَى قَدْ يَفْعَلُ هَذَا كُلَّهُ، وَلَكِنَّ الْإِجَارَاتِ مَغِيبَةٌ قُلْنَا مَغِيبَةٌ مَعْقُولَةٌ كَالسَّلَمِ مَغِيبٌ مَوْصُوفٌ، قَالَ‏:‏ هُوَ وَإِنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ يَصِيرُ إلَى أَنْ يَكُونَ عَيْنًا، قُلْت‏:‏ يَكُونُ عَيْنًا، وَهُوَ لَمْ يُرَ فَلاَ يَكُونُ فِيهَا خِيَارٌ كَمَا يَكُونُ فِي الْأَعْيَانِ الَّتِي لَمْ تُرَ، قَالَ‏:‏ فَهِيَ عَلَى الصِّفَةِ، قُلْنَا‏:‏ وَلِمَ لاَ تَجْعَلُ مَا اُشْتُرِيَ، وَلَمْ يُرَ مِنْ غَيْرِ السَّلَمِ، وَقَدْ وُصِفَ كَمَا وُصِفَ السَّلَمُ إذَا جَاءَ عَلَى الصِّفَةِ يَلْزَمُ كَمَا يَلْزَمُ السَّلَمُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الْبُيُوعُ قَدْ تَخْتَلِفُ، قُلْنَا‏:‏ فَنَرَاك تُجِيزُهَا مَعَ اخْتِلاَفِهَا لِنَفْسِك وَتُرِيدُ أَنْ لاَ تُجِيزَهَا مَعَ اخْتِلاَفِهَا لَنَا قَالَ‏:‏ إنِّي وَإِنْ أَجَزْتهَا فَهِيَ صَائِرَةٌ عَيْنًا، قُلْنَا‏:‏ الصِّفَةُ فِي السَّلَمِ قَبْلَ يَكُونُ الشِّرَاءُ مَغِيبَةٌ مَوْصُوفٌ بِهَا شَيْءٌ لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ مِنْ ثِيَابٍ وَطَعَامٍ قَالَ‏:‏ وَلَكِنَّهَا تَقَعُ عَلَى عَيْنٍ فَتُعْرَفُ قُلْنَا فَالْإِجَارَةُ فِي عَيْنِ قَائِمٍ تَكُونُ فِي ذَلِكَ الْعَيْنِ قَائِمَةٌ تُعْرَفُ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ الْإِجَارَةَ إنَّمَا هِيَ مَنْفَعَةٌ وَالْمَنْفَعَةُ مَغِيبَةٌ، وَقَدْ تَخْتَلِفُ فَلِمَ أَجَزْتهَا، وَلَمْ تَقُلْ فِيهَا قَوْلَ مَنْ رَدَّهَا وَعِبْت مَنْ رَدَّهَا وَنَسَبْته إلَى الْجَهَالَةِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ وَلَيْسَ فِي السُّنَّةِ وَلاَ إجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ إلَّا التَّسْلِيمُ، وَلاَ تُضْرَبُ لَهُ الْأَمْثَالُ، وَلاَ تَدْخُلُ عَلَيْهِ الْمَقَايِيسُ قُلْنَا‏:‏ فَإِذَا اجْتَمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى إجَازَتِهَا وَصَيَّرُوهَا مِلْكَ مَنْفَعَةٍ مَعْقُولَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَكُونُ شَيْئًا يُكَالُ، وَلاَ يُوزَنُ، وَلاَ يُذْرَعُ وَأَجَازَهَا مَغِيبَةً وَأَوْجَبُوهَا كَمَا أَوْجَبُوا غَيْرَهَا مِنْ الْبُيُوعِ ثُمَّ صِرْت إلَى عَيْبِ قَوْلنَا فِيهَا وَأَنْتَ تُجِيزُهَا‏.‏

وَقَوْلُنَا قَوْلٌ مُسْتَقِيمٌ عَلَى السُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَصِرْت بِحُجَّةِ مَنْ أَبْطَلَهَا، فَإِذَا قِيلَ لَك‏:‏ إنْ كَانَتْ فِي هَذَا حُجَّةٌ فَأَبْطِلْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ فَلاَ تَحْتَجَّ بِهِ قُلْت‏:‏ لاَ أُبْطِلُهَا؛ لِأَنَّهَا السُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَدَعْ حُجَّةَ مَنْ أَخْطَأَ فِي إبْطَالِهَا وَأَجِزْهَا كَمَا أَجَازَهَا الْفُقَهَاءُ، فَقَدْ أَجَازُوهَا، وَإِذَا أَجَازُوهَا فَلاَ يَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونُوا أَجَازُوهَا إلَّا عَلَى أَنَّهَا تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مَعْقُولَةٍ وَمَا كَانَ تَمْلِيكًا، فَقَدْ يُوجِبُ ثَمَنَهُ وَإِلَّا صِرْت إلَى حُجَّةِ مَنْ أَبْطَلَهَا‏.‏

فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ‏:‏ فَكَيْفَ صَيَّرَتْ هَذَا قَبْضًا وَالْقَبْضُ مَا يَصِيرُ فِي يَدَيْ صَاحِبِهِ الَّذِي قَبَضَهُ وَيَقْطَعُ عَنْهُ مِلْكَ الَّذِي دَفَعَهُ‏؟‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ إنَّ الدَّفْعَ مِنْ الْمَالِكِ لِمَنْ مَلَكَهُ يَخْتَلِفُ، أَلاَ تَرَى أَنَّ رَجُلاً لَوْ ابْتَاعَ بُيُوعًا وَدَفَعَ إلَيْهِ أَثْمَانَهَا ثُمَّ حَاكَمَهُ إلَى الْقَاضِي قَضَى عَلَيْهِ بِدَفْعِهَا فَإِنْ كَانَ عَبْدًا، أَوْ ثَوْبًا، أَوْ شَيْئًا وَاحِدًا سَلَّمَهُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَتَجَزَّأُ بِعَيْنِهِ فَكَانَ طَعَامًا فِي بَيْتٍ اسْتَوْجَبَهُ كُلَّهُ بِكَيْلٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُدٍّ بِدِرْهَمٍ قَالَ كُلُّهُ لَهُ فَكَانَ يَقْبِضُهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لاَ جُمْلَةً كَقَبْضِهِ الْوَاحِدَةَ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِدَفْعِ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذَا كَمَا يُسْتَطَاعُ قَبْضَهُ فَكَذَلِكَ قَضَى عَلَيْهِ بِدَفْعِ الْإِجَارَةِ كَمَا يُسْتَطَاعُ، وَلاَ يُسْتَطَاعُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ تَسْلِيمِ الَّذِي فِيهِ الْمَنْفَعَةُ إلَى الَّذِي مُلِكَ فِيهِ الْمَنْفَعَةُ، وَالْمَنْفَعَةُ فِيهَا مَعْرُوفَةٌ كَمَا الشِّرَاءُ فِي الدَّارِ الْمُشَاعَةِ مَعْرُوفٌ بِحِسَابٍ وَفِي غَيْرِهِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَإِنَّ الَّذِي فِيهِ الْمَنْفَعَةُ بِسَلَمٍ ثُمَّ يَنْهَدِمُ الْمَنْزِلُ، أَوْ يَمُوتُ الْعَبْدُ فَتَكُونُ أَوْجَبَتْ عَلَيْهِ دَفْعَ مَالِهِ، وَهُوَ مِائَةٌ ثُمَّ لاَ يَسْتَوْفِي بِالْمِائَةِ إلَّا حَقَّ بَعْضِهَا وَيَكُونُ الْمُؤَاجِرُ قَدْ انْتَفَعَ بِالثَّمَنِ قُلْنَا بِذَلِكَ رَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ قَالَ مَا رَضِيَ إلَّا بِأَنْ يَسْتَوْفِيَ قُلْنَا إنْ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَخَذَ مَالَهُ قَالَ وَأَيُّ شَيْءٍ يُشْبِهُ هَذَا مِنْ الْبُيُوعِ‏؟‏ قُلْنَا مَا وَصَفْنَا مِنْ السَّلَمِ أَدْفَعُ لِهَذَا مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي رُطَبٍ فَمَضَى الرُّطَبُ، وَلَمْ يُوفِ مِنْهُ شَيْئًا فَيَعُودُ إلَى أَنْ يَقُولَ لِي خُذْ رَأْسَ مَالِك، وَقَدْ انْتَفَعَ بِهِ الْمُسَلَّم إلَيْهِ، أَوْ أَخِّرْ مَالَك بَعْدَ مَحِلِّهِ سَنَةً بِلاَ رِضًا مِنْك إلَى سَنَةٍ أُخْرَى، فَإِذَا قُلْت‏:‏ قَدْ انْتَفَعَ بِمَالِي فَإِنْ أَخَذْته، فَقَدْ أَخَذَ مَنْفَعَةَ مَالِي بِلاَ عِوَضٍ أَخَذْته، وَإِنْ أَخَّرْته سَنَةً، فَقَدْ انْتَفَعَ بِمَالِي سَنَةً بِلاَ طِيبِ نَفْسِي، وَلاَ عِوَضٍ أَعْطَيْته مِنْهُ قَالَ‏:‏ لاَ أَجِدُ إلَّا هَذَا فَإِنْ قُلْت لَك وَصَدَّقَنِي الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ بِأَنَّهُ تَغَيُّبٌ مِنِّي حَتَّى مَضَى الرُّطَبُ قُلْت‏:‏ لاَ أَجِدُ شَيْئًا أُعَدِّيك عَلَيْهِ؛ لِأَنَّك رَضِيت أَمَانَتَهُ، قُلْت‏:‏ مَا رَضِيت إلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ، وَقَدْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَنِي قُلْت‏:‏ وَقَدْ فَاتَ الرُّطَبُ الَّذِي يُوَفِّيك مِنْهُ‏.‏ قِيلَ‏:‏ فَالْمُسْتَأْجِرُ لِلْعَيْنِ إنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا ذَهَبَتْ الْمَنْفَعَةُ فَكَيْفَ عِبْته فِيهِ، وَهُوَ يَعْلَمُهُ، وَلَمْ تَعِبْ فِي الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ الَّذِي ضَمِنَ لِصَاحِبِهِ الرُّطَبَ كَيْلاً مَعْلُومًا بِصِفَةٍ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يُعَيِّنُهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ كَانَ أَوْلَى أَنْ تَعِيبَهُ فِيهِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ‏.‏ وَهُوَ يَقُولُ‏:‏ فِي الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الشَّيْءَ مِنْ الرَّجُلِ وَالشَّيْءُ الْمُبْتَاعُ بِعَيْنِهِ بِبَلَدٍ غَائِبٍ عَنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَيَدْفَعُ الْمُشْتَرِي إلَى الْمُشْتَرَى مِنْهُ الثَّمَنَ وَافِيًا عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى مِنْهُ وَأَشْهَدَ بِهِ لَهُ وَدَفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهُ ثُمَّ هَلَكَ الشَّيْءُ الْمُبْتَاعُ فَيَقُولُ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، وَقَدْ انْتَفَعَ بِهِ رَبُّ السِّلْعَةِ، وَلَمْ يَأْخُذْ رَبُّ الْمَالِ عِوَضًا فَيَقُولُ لِلْمُشْتَرِي أَنْتَ رَضِيت بِذَلِكَ، وَقَدْ كَانَتْ لَك السِّلْعَةُ لَوْ تَمَّتْ فَلَمَّا لَمْ تَتِمَّ انْتَقَضَ الْبَيْعُ، وَإِنَّمَا رَضِيت بِتَمَامِهَا وَيَقُولُ أَيْضًا فِي الرَّجُلِ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بِعَبْدٍ فَتُخَلِّيهِ وَنَفْسَهَا فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَتَخْلِيَتُهَا إيَّاهُ وَنَفْسَهَا هُوَ الَّذِي يَلْزَمُهَا، فَإِذَا فَعَلَتْ جَبَرَتْهُ عَلَى دَفْعِ الْعَبْدِ إلَيْهَا وَيَكُونُ مِلْكُهَا لَهُ صَحِيحًا فَإِنْ بَاعَتْ، أَوْ وَهَبَتْ أَوْ أَعْتَقَتْ، أَوْ دَبَّرَتْ، أَوْ كَاتَبَتْ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَهَا مِلْكٌ تَامٌّ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ يَكُونُ مِنْ هَذَا شَيْءٌ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعَبْدِ فَكَانَ شَرِيكُهَا فِيهِ، فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ مِلْكَهَا فِيهِ تَامٌّ كَمَا يَتِمُّ مِلْكُ مَنْ دَفَعَ الْعِوَضَ بِالْعَبْدِ ثُمَّ انْتَقَضَ مِلْكُهَا فِي نِصْفِهِ فَإِنْ قِيلَ لَك كَيْفَ يَتِمُّ مِلْكُهَا ثُمَّ يُنْتَقَضُ‏؟‏ قُلْت لَيْسَ فِي هَذَا قِيَاسٌ هُوَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إذَا طَلَّقَهَا فَإِنْ قِيلَ لَك كَيْفَ يُنْتَقَضُ نِصْفُهُ رَأَيْت ذَلِكَ جَهْلاً مِمَّنْ يَقُولُهُ‏؟‏ وَقُلْت‏:‏ هَذَا مِمَّا لاَ يَخْتَلِفُ فِيهِ الْفُقَهَاءُ وَتَزْعُمُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَدَلَّسَ لَهُ فِيهِ عَيْبٌ كَانَ مِلْكًا صَحِيحًا إنْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ، أَوْ أَعْتَقَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَشَاءَ حَبَسَهُ بِالْعَيْبِ حَبَسَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ حَبَسَهُ وَشَاءَ نَقْضَ الْبَيْعِ، وَقَدْ كَانَ تَامًّا نَقَضَهُ، وَقَدْ يَبِيعُ الرَّجُلُ الشِّقْصَ مِنْ الرَّجُلِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي تَامَّ الْمِلْكِ لاَ سَبِيلَ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ، وَلاَ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَهَبَ وَيَصْنَعَ مَا يَصْنَعُ ذُو الْمَالِ فِي مَالِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ شَفِيعٌ فَأَرَادَ أَخْذَهُ مِنْ يَدَيْهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ كَارِهًا أَخْذَهُ، وَقَدْ نَجْعَلُ نَحْنُ وَأَنْتَ مِلْكًا تَامًّا وَيُؤْخَذُ بِهِ الثَّمَنُ ثُمَّ يُنْتَقَضُ بِأَسْباب بَعْدَ تَمَامِهِ فَكَيْفَ عِبْت هَذَا فِي الْإِجَارَةِ وَأَنَّ مَا نَقُولُهُ فِي الْإِجَارَةِ إذَا فَاتَ الشَّيْءُ فِيهِ الَّذِي فِيهِ الْمَنْفَعَةُ فَلَمْ يَكُنْ إلَى الِاسْتِيفَاءِ سَبِيلٌ وَيَرُدُّ الْمُسْتَأْجِرُ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ كَمَا يَرُدُّهُ لَوْ اشْتَرَى سَفِينَةَ طَعَامٍ كُلُّ قَفِيزٍ بِكَذَا فَاسْتَوْفَى عَشْرَةَ أَقْفِزَةٍ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهَا ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِيَ مِنْ الطَّعَامِ رَدَدْنَاهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ وَأَلْزَمْنَاهُ عَشْرَةً بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَأَنْتَ تَنْقُضُ الْمِلْكَ وَالْأَعْيَانَ الَّتِي فِيهَا الْمِلْكُ قَائِمَةٌ ثُمَّ لَوْ عَابَك أَحَدٌ بِهَذَا قُلْت‏:‏ هَذَا مِنْ أَمْرِ النَّاسِ فَإِنْ كَانَ فِي نَقْضِ الْإِجَارَةِ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ الَّتِي فِيهَا الْمَنْفَعَةُ قَدْ فَاتَتْ عَيْبٌ فَنَقَضَ الْمِلْكَ وَالْعَيْنَ الْمَمْلُوكَةَ قَائِمَةٌ أَعَيْبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَيْبٌ فَعَيْبُهُ فِيهِ جَهْلٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ ثُمَّ قَالُوا فِيهَا أَيْضًا إنْ دَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ كُلَّهَا إلَى الْمُؤَجِّرِ قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ الْبَيْتَ، أَوْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا دَفَعَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ فَإِنْ كَانَ دَفَعَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَهُوَ مَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ مَا لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ فَلَمْ لاَ يَرْجِعْ بِهِ فَهُوَ لَمْ يَهَبْهُ، وَلَمْ يَقْطَعْ عَنْهُ مِلْكَهُ إلَّا بِأَمْرٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ، وَلاَ يَحِقُّ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَسْكُنَ، أَوْ يَرْكَبَ وَهُمْ يَقُولُونَ إذَا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ رَدَّهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَهُ بِاسْمِ الْإِجَارَةِ لاَ وَاهِبًا لَهُ فَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ بِالْإِجَارَةِ وَالْإِجَارَةُ لاَ يَلْزَمُهُ بِهَا دَفَعَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ مَتَى شَاءَ ثُمَّ قَالَ فِيهِ قَوْلاً آخَرَ أَعْجَبَ مِنْ هَذَا قَالَ إنْ تَكَارَى دَابَّةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَجِبْ مِنْ الْمِائَةِ شَيْءٌ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَهَا دَنَانِيرَ يَصْرِفُهَا كَانَ حَلاَلاً فَقِيلَ لَهُ أَتَعْنِي بِهِ تَحَوُّلَ الْكِرَاءِ إلَى الدَّنَانِيرِ وَتَنْقُضُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ‏؟‏ قَالَ لاَ‏:‏ وَلَكِنَّهُ يُصَارِفُهُ بِهَا بِسِعْرِ يَوْمِهِ قُلْنَا أَوْ يَحِلُّ الصَّرْفُ فِي شَيْءٍ لَمْ يَجِبْ‏؟‏ قَالَ هُوَ وَاجِبٌ فَلَمَّا قَالُوا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ أَجَلاً دَفَعَ مَكَانَهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ سِلْعَةً بِمِائَةٍ أَوْ ضَمِنَ عَنْ رَجُلٍ مِائَةً، وَلَمْ يُسَمِّ أَجَلاً كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ الْمِائَةَ مَكَانَهُ، وَهَذَا قَوْلُنَا وَقَوْلُك فِي الْوَاجِبِ كُلِّهِ إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ أَجَلاً فَكَيْفَ قُلْت فِي الْمُسْتَأْجِرِ الْإِجَارَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهَا وَلَهُ أَنْ يُصَارِفَ بِهَا وَالْإِجَارَةُ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ هِيَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا سَنَةً فَكُلُّ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ أَجَلٌ مَعْلُومٌ وَلِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ وَالْمِائَةُ الدِّرْهَمِ الَّتِي اسْتَأْجَرَ بِهَا الْعَبْدَ السَّنَةَ لاَزِمَةٌ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ قِيلَ لَهُ فَمَا تَقُولُ فِيهِ إنْ مَرِضَ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ السَّنَةِ، أَوْ شَهْرًا مِنْ أَوَّلِهَا، أَوْ وَسَطِهَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخِدْمَةِ‏؟‏ أَلَيْسَ إنْ قُلْت يَنْتَظِرُ، فَإِذَا صَحَّ اسْتَخْدَمَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ‏؟‏، فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ حِصَّةَ الْأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ الشَّهْرِ قَدْ كَانَتْ فِي وَقْتٍ لاَزِمٍ ثُمَّ اسْتَأْجَرَ عَنْهُ، أَوْ كَانَ وَاجِبًا ثُمَّ بَطَلَ فَإِنْ جَعَلْت لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرٍ، أَوْ شَهْرًا مِنْ سَنَةٍ أُخْرَى، فَقَدْ جَعَلْت أَجَلاً بَعْدَ أَجَلٍ وَنَقَلْت عَمَلَ سَنَةٍ فِي سَنَةٍ أُخْرَى، وَإِنْ قُلْت وَاجِبَةٌ إنْ كَانَتْ فَهَذَا الْفَسَادُ الَّذِي لاَ شَكْلَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مِنْ عَيْنِ مَعْرُوفٍ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْرُوفَةٌ بِتَمْلِيكِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ، فَإِذَا كَانَ التَّمْلِيكُ مَغِيبًا لاَ يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لاَ يَكُونُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ الْعَبْدُ وَيَأْبَقُ وَيَمْرَضُ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَمْلِكَ مَنْفَعَةً مَغِيبَةً بِدَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ مُسَمَّاةٍ‏؟‏ هَذَا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَالْمُسْلِمُونَ يُنْهَوْنَ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَالتَّمْلِيكُ بَيْعٌ، فَإِنْ قُلْت‏:‏ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ إنْ كَانَتْ فَهَذَا أَفْسَدُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَا مُخَاطَرَةٌ وَيَلْزَمُ أَنْ تَفْسُدَ الْإِجَارَةُ كَمَا أَفْسَدَهَا مَنْ عَابَ قَوْلَهُ قَالَ‏:‏ فَقَدْ يَلْزَمُك فِي هَذَا شَبِيهٌ بِمَا يَلْزَمُنِي فَلَيْسَ يَلْزَمُنِي إذَا زَعَمْت أَنَّ الْإِجَارَةَ تَجِبُ بِالْقَبْضِ وَأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْلُومَةٌ وَأَنَّهُ لاَ قَبْضَ لَهَا إلَّا بِقَبْضِ الَّذِي فِيهِ الْمَنْفَعَةُ، فَإِذَا قَبَضْت كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا لِلْمَنْفَعَةِ إنْ سَلِمَتْ الْمَنْفَعَةُ‏.‏

وَقَدْ أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ هَذَا كُلَّهُ كَمَا أَجَازُوا الْبُيُوعَ عَلَى اخْتِلاَفِهَا وَكَمَا يَحِلُّ بَيْعُ الطَّعَامِ بِضَرْبَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا بِصِفَةٍ وَالْآخَرُ عَيْنٌ، فَلَوْ اشْتَرَيْت مِنْ طَعَامٍ عَيْنٍ مِائَةَ قَفِيزٍ كَانَ صَحِيحًا فَإِنْ أَخَذْت فِي اكْتِيَالِهِ وَاسْتَهْلَكْت مَا اكْتَلْت مِنْهُ وَهَلَكَ بَعْضُ الْمِائَةِ الْقَفِيزِ وَجَبَ عَلَى مَا اسْتَهْلَكْت بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَبَطَل عَنِّي ثَمَنُ مَا هَلَكَ، فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَالْخِدْمَةُ لَيْسَتْ ثَمَنًا فَهِيَ مَعْلُومَةٌ مِنْ عَيْنٍ لاَ يُوصَلُ إلَى أَخْذِهَا لِتُسْتَوْفَى إلَّا بِأَخْذِ الْعَيْنِ فَأَخْذُ الْعَيْنِ بِكَمَالِهَا الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ يُوجِبُ الثَّمَنَ عَلَى شَرْطِ سَلاَمَةِ الْمَنْفَعَةِ لاَ تَعْدُو الْإِجَارَةُ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً فَعَلَيْهِ دَفْعُهَا، أَوْ تَكُونَ غَيْرَ وَاجِبَةٍ وَالصَّرْفُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَك فِيهَا رِبًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا قِيلَ لَهُ‏:‏ فَإِنْ كَانَتْ أَثْمَانُ الْإِجَارَاتِ غَيْرَ وَاجِبَةٍ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ، وَلاَ يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لاَ يَكُونُ ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْ جِهَةِ الصَّرْفِ فَيَفْسُدُ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ فِيمَا لَمْ يَجِبْ رِبًا قَالَ‏:‏ نَعَمْ، وَلَكِنَّ الْإِجَارَةَ وَاجِبَةٌ وَثَمَنَهَا وَاجِبٌ فَلاَ يَكُونُ رِبًا، فَإِذَا قِيلَ لَهُ، وَإِذَا كَانَ وَاجِبًا فَلْيَدْفَعْهُ قَالَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَهُمْ يَرْوُونَ عَنْ عُمَرَ، أَوْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ تَكَارَى مِنْ رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ صَارَفَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا عَنْ عُمَرَ فَهُوَ مُوَافِقٌ قَوْلَنَا وَحُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ الدَّارَ مِنْ الرَّجُلِ فَالْكِرَاءُ لاَزِمٌ لَهُ لاَ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُكْتَرِي وَلاَ الْمُكْرَى، وَلاَ بِحَالٍ أَبَدًا مَا دَامَتْ الدَّارُ قَائِمَةً، فَإِذَا دَفَعَ الدَّارَ إلَى الْمُكْتَرِي كَانَ الْكِرَاءُ لاَزِمًا لِلْمُكْتَرِي كُلُّهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عِنْدَ عُقْدَةِ الْكِرَاءِ أَنَّهُ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَيَكُونُ إلَيْهِ كَالْبُيُوعِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ تُفْسَخُ الْإِجَارَاتُ بِمَوْتِ أَيِّهِمَا مَاتَ وَيَفْسَخُهَا بِالْعُذْرِ ثُمَّ ذَكَرَ أَشْيَاءَ يَفْسَخُهَا بِهَا قَدْ يَكُونُ مِثْلَهَا، وَلاَ يَفْسَخُهَا بِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ أَقُلْت هَذَا بِخَبَرٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ رَوَيْنَا عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إذَا أَلْقَى الْمِفْتَاحَ بَرِئَ فَقِيلَ‏:‏ لَهُ أَكَذَا نَقُولُ بِقَوْلِ شُرَيْحٍ فَشُرَيْحٌ لاَ يَرَى الْإِجَارَةَ لاَزِمَةً وَيَرَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخَهَا بِلاَ مَوْتٍ، وَلاَ عُذْرٍ قَالَ‏:‏ هَكَذَا قَالَ‏:‏ شُرَيْحٌ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِقَوْلِهِ قِيلَ فَلِمَ تَحْتَجُّ بِمَا تُخَالِفُ فِيهِ وَتَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَمَا عِنْدَنَا فِيهِ خَبَرٌ، وَلَكِنَّهُ يَقْبُحُ أَنْ يَتَكَارَى رَجُلٌ مَنْزِلاً يَسْكُنُهُ فَيَمُوتُ وَوَلَدُهُ لاَ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فَيُقَالُ إنْ شِئْتُمْ فَاسْكُنُوهُ وَهُمْ أَيْتَامٌ وَيَقْبُحُ أَنْ يَمُوتَ الْمُؤَجِّرُ فَيَتَحَوَّلُ مِلْكُ الدَّارِ لِغَيْرِهِ فَتَكُونُ الدَّارُ لِوَلَدِهِ وَالْمَيِّتُ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا وَيَسْكُنُهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِأَمْرِ الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتُ لاَ أَمْرَ لَهُ حِينَ مَاتَ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ أَوْ يَمْلِكُهَا الْوَارِثُ إلَّا بِمُلْكِ الْمَيِّت‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قِيلَ‏:‏ أَفَيَزِيدُ الْوَارِثُ أَبَدًا عَلَى أَنْ يَقُومَ إلَّا مَقَامَ الْمَيِّتِ فِيهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْنَا فَالْمَيِّتُ قَبْلَ مَوْتِهِ كَانَ يَقْدِرُ أَنْ يَفْسَخَ هَذِهِ الْإِجَارَةَ عَنْ دَارِهِ سَاعَةً وَاحِدَةً قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا عِنْدَك مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ، قِيلَ‏:‏ أَفَيَكُونُ الْوَارِثُ الَّذِي إنَّمَا مَلَكَ عَنْ الْمَيِّتِ الْكُلَّ، أَوْ الْبَعْضَ أَحْسَنَ حَالاً مِنْ الْمَالِكِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَهَلْ رَأَيْت مِلْكًا يَنْتَقِلُ وَيُمْلَكُ عَلَى مَنْ انْتَقِلْ إلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ‏؟‏ قُلْنَا الَّذِي وَصَفْنَا لَك مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَ مَا كَانَ الْمَيِّتُ يَمْلِكُ كَافٍ لَك مِنْهُ وَنَحْنُ نُوجِدُك مِلْكًا يَنْتَقِلُ وَيُمْلَكُ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ قَالَ‏:‏ وَأَيْنَ‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ أَرَأَيْت رَجُلاً رَهَنَ رَجُلاً دَارًا تَسْوَى أَلْفًا بِمِائَةٍ ثُمَّ مَاتَ الرَّاهِنُ أَيَنْفَسِخُ الرَّهْنُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ‏.‏ قُلْنَا‏:‏ وَلِمَ، وَقَدْ انْتَقَلَ مِلْكُ الدَّارِ فَصَارَ لِلْوَارِثِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إنَّمَا يَمْلِكُهَا الْوَارِثُ كَمَا كَانَ يَمْلِكُهَا الْمَيِّتُ وَالْمَيِّتُ قَدْ أَوْجَبَ فِيهَا حَقًّا لَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخُهُ إلَّا بِإِيفَاءِ الْغَرِيمِ حَقَّهُ فَالْوَارِثُ أَوْلَى أَنْ لاَ يَفْسَخَهُ، قُلْنَا فَلاَ نَسْمَعُك تَقْبَلُ مِثْلَ هَذَا مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِهِ عَلَيْك فِي الْإِجَارَةِ وَتَحْتَجُّ بِهِ فِي الرَّهْنِ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ تَارِكًا لِلْحَقِّ فِي رَدِّهِ فِي الْإِجَارَةِ، أَوْ فِي إنْفَاذِهِ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ حَالَهُمَا وَاحِدٌ قَدْ أَوْجَبَ الْمَيِّتُ فِي كِلَيْهِمَا حَقًّا عِنْدَنَا، وَعِنْدَك فَلاَ نَفْسَخُهُ بِوَجْهٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ مَنْ أَوْجَبَهُ لَهُ عِنْدَنَا بِحَالٍ، وَعِنْدَك إلَّا مِنْ عُذْرٍ ثُمَّ تَفْسَخُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْإِجَارَةِ مِمَّا لاَ يَكُونُ عُذْرًا فِي حَيَاةِ الْمُؤَاجِرِ وَالْعُذْرُ أَيْضًا شَيْءٌ مَا وَضَعْته أَنْتَ لاَ أَثَرًا، وَلاَ مَعْقُولاً وَأَنْتَ لاَ تَفْسَخُهُ بِعُذْرٍ، وَلاَ غَيْرِ عُذْرٍ فِي الرَّهْنِ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي هَذَا فَرْقٌ كِلاَهُمَا أَوْجَبُ لَهُ فِيهِ مَالِكَهُ حَقًّا جَائِزًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَك فَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَا مَعًا بِكُلِّ حَالٍ وَإِمَّا أَنْ يَزُولَ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ فَيَزُولُ الْآخَرُ، أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ‏:‏ وَضَعْت الْعُذْرَ تَفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةَ وَأَنَا أُبْطِلُهُ فِي الْإِجَارَةِ وَأَضَعُهُ فِي الرَّهْنِ فَأَفْسَخُ بِهِ الرَّهْنَ أَتَكُونُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ‏؟‏ إلَّا أَنْ يُقَالَ‏:‏ مَا ثَبَتَ فِيهِ حَقٌّ لِمُسْلِمٍ وَكَانَ الْحَقُّ حَلاَلاً لَمْ يَفْسَخْهُ عُذْرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَهُ الْحَقُّ الْوَاجِبُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ مَعَ كَثِيرٍ مِنْ مِثْلِ هَذَا يَقُولُونَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ يُوصِي لِلرَّجُلِ بِرَقَبَةِ دَارِهِ وَلِآخَرَ أَنْ يَنْزِلَهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَمُوتُ الْمُوصَى لَهُ بِرَقَبَةِ الدَّارِ فَيَمْلِكُ وَارِثُهُ الدَّارَ فَإِنْ أَرَادَ مَنْعَ الْمُوصَى لَهُ بِالنُّزُولِ قِيلَ‏:‏ لَيْسَ ذَلِكَ لَك أَنْتَ لِلدَّارِ مَالِكٌ، وَلِهَذَا شُرِطَ فِي النُّزُولِ، وَلاَ تَمْلِكُ عَنْ أَبِيك إلَّا مَا كَانَ يَمْلِكُ، وَلاَ يَكُونُ لَك فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ لَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ فَلاَ حَاجَةَ بِالْوَرَثَةِ إلَى الْمَسْكَنِ، فَلَوْ قَالَهُ غَيْرُهُ أَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ لَهُ لَسْت تَعْرِفُ مَا تَقُولُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلاً كَانَ يُرِيدُ التِّجَارَةَ فَاشْتَرَى دَابَّةً بِأَلْفٍ، وَهُوَ لاَ يَمْلِكُ إلَّا أَلْفًا فَلَمَّا اسْتَوْجَبَهَا مَاتَ وَلَهُ وَرَثَةٌ أَطْفَالٌ وَالرَّاحِلَةُ تَسْوَى أَلْفًا، أَوْ مِائَةً فَقَالَ عَنْهُمْ وَصِيٌّ أَوْ كَانَ فِيهِمْ مُدْرِكٌ مُحْتَاجٌ كَانَ أَبُو هَؤُلاَءِ يَعْنِي بِالرَّوَاحِلِ لِتَكَسُّبِهِ فِيهَا وَهَؤُلاَءِ لاَ يَكْتَسِبُونَ، أَوْ يَعْنِي بِهَا لِضَرْبٍ مِنْ الْخَسَارَةِ، وَقَدْ أَصْبَحَ هَؤُلاَءِ أَيْتَامًا وَنَاقَةُ الرَّجُلِ فِي يَدِهِ لَمْ تَخْرُجْ بَعْدُ مِنْ يَدِهِ فَأَفْسِخْ الْبَيْعَ وَرُدَّ الدَّرَاهِمَ لِحَاجَةِ الْأَيْتَامِ، وَلاَ تَنْزِعْهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ إنْ لَمْ يَكُنْ أَبُوهُمْ دَفَعَهَا، أَوْ كَانَ هَذَا فِي حَمَّامٍ اشْتَرَاهُ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِمَّا لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ أَوْ مِمَّا فِيهِ الْمَنْفَعَةُ الْيَسِيرَةُ، قَالَ‏:‏ لاَ أَفْسَخُ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَأُمْضِي عَلَيْهِمْ مَا فَعَلَ أَبُوهُمْ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ وَهُوَ يَمْلِكُ فَأُمَلِّكُهُمْ عَنْهُ مَا كَانَ هُوَ يَمْلِكُ فِي حَيَاتِهِ، وَلاَ يَكُونُونَ أَحْسَنَ حَالاً مِنْ أَبِيهِمْ فِيمَا مَلَكُوهُ عَنْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قِيلَ‏:‏ وَكَذَلِكَ الْكِرَاءُ يَتَكَارَاهُ، وَهُوَ حَلاَلٌ جَائِزٌ لَهُ، فَقَدْ مَلَكُوا مَا مَلَكَ أَبُوهُمْ مِنْ مَنْفَعَةِ الْمَسْكَنِ فَإِنْ شَاءُوا سَكَنُوا فَإِنْ شَاءُوا أَكْرُوا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَزَعَمَ أَنَّ رَجُلاً لَوْ تَكَارَى مِنْ الرَّجُلِ أَلْفَ بَعِيرٍ عَلَى أَنْ يَسِيرَ مِنْ بَغْدَادَ ثَمَانِ عَشَرَةَ إلَى مَكَّةَ فَخَلَّفَ الْجَمَّالُ إبِلَهُ وَعَلَفَهَا بِأَثْمَانِهَا، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ وَخَرَجَ الْحَاجُّ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا هُوَ وَتَرَكَ الْجَمَّالُ الْكِرَاءَ مِنْ غَيْرِهِ لِلشَّرْطِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا، فَإِنْ قَالَ لَك الْجَمَّالُ‏:‏ قَدْ غَرَرْتنِي وَمَنَعْتَنِي الْكِرَاءَ مِنْ غَيْرِك وَكَلَّفْتَنِي مُؤْنَةً أَتَتْ عَلَى أَثْمَانِ إبِلِي وَصَدَقَهُ الْمُكْتَرِي فَلاَ يُقْضَى لَهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَيَجْلِسُ بِلاَ مُؤْنَةٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ غَرَّهُ، وَقَالَ قَائِلٌ هَذَا الْقَوْلَ فَإِنْ أَرَادَ الْجَمَّالُ أَنْ يَجْلِسَ وَقَالَ‏:‏ بَدَا لِي أَنْ أَدَعَ الْحَجَّ وَأَنْصَرِفَ إلَى غَيْرِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ وَلِمَ لاَ يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ غَرَّهُ فَمَنَعَهُ أَنْ يَكْتَرِيَ مِنْ غَيْرِهِ وَعَقَدَ لَهُ عُقْدَةً حَلاَلاً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَلِمَ لاَ يَكُونُ لِلْجَمَّالِ عَلَى الْمُتَكَارِي أَنْ يَجْلِسَ، وَقَدْ عَقَدَ لَهُ كَمَا قَالَ عُقْدَةً حَلاَلاً وَغَرَّهُ كَمَا كَانَ لِلْمُتَكَارِي أَنْ يَجْلِسَ وَحَالُهُمَا وَحُجَّتُهُمَا وَاحِدَةٌ لَوْ كَانَ يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا فِي الْعُقْدَةِ مَا لَيْسَ لِلْآخَرِ انْبَغَى أَنْ يَكُونَ الْكِرَاءُ لِلْمُتَكَارِي أَلْزَمُ بِكُلِّ وَجْهٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُؤْنَةَ عَلَى الْجَمَّالِ فِي الْعَلَفِ وَحَبْسَ الْإِبِلِ وَضَمَانَهَا وَمِنْ قِبَلِ أَنْ لاَ مُؤْنَةَ عَلَى الْمُكْتَرِي فَعَمَدَ إلَى حَقِّهِمَا لَوْ تَفَرَّقَ الْحُكْمُ فِيهِمَا أَنْ يَلْزَمَهُ فَأُبْطِلُ عَنْهُ وَأَحَقُّهُمَا أَنْ يُبْطَلَ عَنْهُ فَأُلْزِمُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْعُقْدَةَ حَلاَلٌ لاَ تَنْفَسِخُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى فَسْخِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَسُئِلَ هَلْ وَجَدَ عُقْدَةً حَلاَلاً لاَ شَرْطَ فِيهَا، وَلاَ عَيْبَ يَكُونُ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِيهَا مَا لَيْسَ لَيْسَ لِلْآخَرِ فَلاَ أَعْلَمُهُ ذَكَرَهَا‏؟‏ فَقِيلَ وَمَا بَالُ هَذِهِ الْعُقْدَةِ مِنْ بَيْنِ الْعُقَدِ لاَ خَبَرَ، وَلاَ قِيَاسَ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُكَارَى وَالْمُكْتَرِي فِي قَوْلِنَا وَقَوْلِهِمْ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا، قِيلَ لَهُمْ فِي هَذَا كَيْفَ تَحْكُمُونَ بِحُكْمِ الْبُيُوعِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ هُوَ تَمْلِيكٌ، وَإِنَّمَا الْبُيُوعُ تَمْلِيكٌ فَقِيلَ لَهُمْ فَاحْكُمُوا لَهُ بِحُكْمِ الْبُيُوعِ فِيمَا أَثَبْتُمْ فِيهِ حُكْمَ الْبُيُوعِ فَيَقُولُونَ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَهُمْ لاَ يَقْبَلُونَ هَذَا مِنْ أَحَدٍ، فَإِذَا قِيلَ لِبَعْضِهِمْ أَنْتُمْ لاَ تُصَيِّرُونَ فِي هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ إلَى خَبَرٍ يَكُونُ حُجَّةً زَعَمْتُمْ، وَلاَ قِيَاسَ، وَلاَ مَعْقُولَ فَكَيْفَ قُلْتُمُوهُ‏؟‏ قَالُوا قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَالَ لَنَا بَعْضُهُمْ مَا فِي الْإِجَارَةِ إلَّا مَا قُلْتُمْ مِنْ أَنْ نَحْكُمَ لَهَا بِحُكْمِ الْبُيُوعِ مَا كَانَتْ السَّلاَمَةُ لِلْمَنْفَعَةِ قَائِمَةً، أَوْ تَبْطُلُ، وَلاَ تَجُوزُ بِحَالٍ فَقِيلَ لَهُ فَتَصِيرُ إلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَلاَ أَعْلَمُهُ صَارَ إلَيْهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ تَكَارَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً مِنْ مَكَّةَ إلَى مَرٍّ فَتَعَدَّى بِهَا إلَى عُسْفَانَ فَإِنْ سَلِمَتْ الدَّابَّةُ كَانَ عَلَيْهِ كِرَاؤُهَا إلَى مَرٍّ وَكِرَاءُ مِثْلِهَا إلَى عُسْفَانَ فَإِنْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ فَلَهُ الْكِرَاءُ إلَى مَرٍّ وَقِيمَةُ الدَّابَّةِ فِي أَكْثَرَ مَا كَانَتْ ثَمَنًا مِنْ حِينِ تَعَدَّى بِهَا مِنْ السَّاعَةِ الَّتِي تَعَدَّى بِهَا فِيهَا كَانَ، أَوْ بَعْدَهَا، وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا قَبْلَ التَّعَدِّي إنَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِ حِينَ صَارَ ضَامِنًا فِي حَالِ التَّعَدِّي‏.‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ‏:‏ إنْ شَاءَ الْكِرَاءَ بِحِسَابٍ، وَإِنْ شَاءَ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ الدَّابَّةِ وَإِنْ سَلِمَتْ، وَلَيْسَ نَقُولُ بِهَذَا، قَوْلُنَا هُوَ الْأَوَّلُ لاَ يَضْمَنُهَا حَتَّى تَعْطَبَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ أَعْطَى مَالاً رَجُلاً قِرَاضًا وَنَهَاهُ عَنْ سِلْعَةٍ يَشْتَرِيهَا بِعَيْنِهَا فَاشْتَرَاهَا فَصَاحِبُ الْمَالِ بِالْخِيَارِ، إنْ أَحَبَّ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ قِرَاضًا عَلَى شَرْطِهَا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُقَارَضَ رَأْسَ مَالِهِ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِعَيْنِهَا فَتَعَدَّى فَاشْتَرَى غَيْرَهَا فَإِنْ كَانَ عَقَدَ الشِّرَاءَ بِالْعَيْنِ بِعَيْنِهَا فَالشِّرَاءُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِغَيْرِ الْعَيْنِ فَالشِّرَاءُ قَدْ تَمَّ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ وَالرِّبْحُ لَهُ وَالنُّقْصَانُ عَلَيْهِ، وَهُوَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى بِغَيْرِ عَيْنِ الْمَالِ صَارَ الْمَالُ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَصَارَ لَهُ الرِّبْحُ وَالْخَسَارَةُ عَلَيْهِ، وَهُوَ ضَامِنُ الْمَالِ لِصَاحِبِ الْمَالِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ أَعْطَى رَجُلٌ رَجُلاً شَيْئًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَى لَهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ وَغَيْرَهُ بِمَا أَعْطَاهُ، أَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ شَاةً فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ، أَوْ عَبْدًا فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ بِالْخِيَارِ فِي أَخْذِ مَا أَمَرَ بِهِ وَمَا ازْدَادَ لَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، أَوْ أَخْذِ مَا أَمَرَهُ بِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَالرُّجُوعِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا يَبْقَى مِنْ الثَّمَنِ وَتَكُونُ الزِّيَادَةُ الَّتِي اشْتَرَى لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَى بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَبَاعَ وَالْخِيَارُ فِي ذَلِكَ إلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ بِمَالِهِ مَلَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَبِمَالِهِ بَاعَ، وَفِي مَالِهِ كَانَ الْفَضْلُ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ شَيْئًا بِدِينَارٍ فَاشْتَرَاهُ وَازْدَادَ مَعَهُ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ، وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ رَضِيَ شَيْئًا بِدِينَارٍ فَلَمْ يَتَعَدَّ مَنْ زَادَهُ مَعَهُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِاَلَّذِي رَضِيَ وَزَادَهُ شَيْئًا لاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي الدَّابَّةِ يَسْقُطُ الْكِرَاءُ حَيْثُ تَعَدَّى؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ، وَقَالَ فِي الْمُقَارَضِ إذَا تَعَدَّى ضَمِنَ وَكَانَ لَهُ الْفَضْلُ بِالضَّمَانِ، وَلاَ أَدْرِي أَقَالَ‏:‏ يَتَصَدَّقُ بِهِ أَمْ لاَ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَالَ فِي الَّذِي اشْتَرَى مَا أَمَرَهُ بِهِ وَغَيْرَهُ مَعَهُ لِلْآمِرِ مَا أَمَرَهُ بِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلِلْمَأْمُورِ مَا بَقِيَ، وَلاَ يَكُونُ لِلْآمِرِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِغَيْرِ أَمْرِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَجُعِلَ هَذَا الْقَوْلُ بَابًا مِنْ الْعِلْمِ ثَبَّتَهُ أَصْلاً قَاسَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَاتِ وَالْبُيُوعِ وَالْمُقَارَضَةِ شَيْئًا أَحْسَبُهُ لَوْ جُمِعَ كَانَ دَفَاتِرَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ‏:‏ قَدْ زَعَمْنَا وَزَعَمْتُمْ أَنَّ الْأَصْلَ مِنْ الْعِلْمِ لاَ يَكُونُ أَبَدًا إلَّا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَوْلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَعْضِهِمْ، أَوْ أَمْرٍ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ عَوَامُّ الْفُقَهَاءِ فِي الْأَمْصَارِ فَهَلْ قَوْلُكُمْ هَذَا وَاحِدٌ مِنْ هَذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قِيلَ‏:‏ فَإِلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبْتُمْ فِيهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ قَالَ شُرَيْحٌ فِي بَعْضِهِ قُلْنَا قَدْ رَدَدْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ هَذَا الْكَلاَمَ وَأَكْثَرْنَا أَتَزْعُمُونَ أَنَّ شُرَيْحًا حُجَّةً عَلَى أَحَدٍ إنْ لَمْ يَقُلْهُ إلَّا شُرَيْحٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ، وَقَدْ نُخَالِفُ شُرَيْحًا فِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْكَامِهِ بِآرَائِنَا‏:‏ قُلْنَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ شُرَيْحٌ عِنْدَكُمْ حُجَّةً عَلَى الِانْفِرَادِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ وَقَالَ‏:‏ مَا دَلَّكُمْ عَلَى أَنَّ الْكِرَاءَ وَالرِّبْحَ وَالضَّمَانَ قَدْ يَجْتَمِعُ‏؟‏ فَقُلْنَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَبَرٌ كَانَ مَعْقُولاً وَقُلْنَا دَلَّنَا عَلَيْهِ الْخَبَرُ الثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالْخَبَرُ عِنْدَكُمْ الَّذِي تُثْبِتُونَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوا مِنْ أَنَّ مَنْ ضُمِنَتْ لَهُ دَابَّتُهُ، أَوْ بَيْتُهُ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِلْكِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إجَارَةٌ، أَوْ مَالُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ رِبْحِهِ شَيْءٌ كَانُوا قَدْ أَكْثَرُوا خِلاَفَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَجُلاً لَوْ تَكَارَى مِنْ رَجُلٍ بَيْتًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ رَحًى، وَلاَ قَصَّارَةً، وَلاَ عَمَلَ الْحَدَّادِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا مُضِرٌّ بِالْبِنَاءِ فَإِنْ عَمِلَ هَذَا فَانْهَدَمَ الْبَيْتُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَةِ الْبَيْتِ، وَإِنْ سَلِمَ الْبَيْتُ فَلَهُ أَجْرُهُ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ تَكَارَى قَمِيصًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْتَزِرَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَمِيصَ لاَ يُلْبَسُ هَكَذَا فَإِنْ فَعَلَ فَتَخَرَّقَ ضَمِنَ قِيمَةَ الْقَمِيصِ، وَإِنْ سَلِّمْ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَوْ تَكَارَى قُبَّةً لِيُنَصِّبَهَا فَنَصَّبَهَا فِي شَمْسٍ، أَوْ مَطَرٍ، فَقَدْ تَعَدَّى لِإِضْرَارِ ذَلِكَ بِهَا فَإِنْ عَطِبَتْ ضَمِنَ، وَإِنْ سَلِمَتْ فَعَلَيْهِ أَجْرُهَا مَعَ أَشْيَاءَ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ يُكْتَفَى بِأَقَلِّهَا حَتَّى يُسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ تَرَكُوا مَا قَالُوا وَدَخَلُوا فِيمَا عَابُوا مِمَّا مَضَتْ بِهِ الْآثَارُ وَمِمَّا فِيهِ صَلاَحُ النَّاسِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَمَّا مَا قَالُوا‏:‏ الْحِيلَةُ يَسِيرَةٌ لِمَنْ لاَ يَخَافُ اللَّهَ أَنْ يُعْطَى مَالاً قِرَاضًا فَيَغِيبَ بِهِ وَيَتَعَدَّى فِيهِ فَيَأْخُذَ فَضْلَهُ وَيَمْنَعَهُ رَبَّ الْمَالِ وَيَتَكَارَى دَابَّةً مِيلاً فَيَسِيرَ عَلَيْهَا أَشْهُرًا بِلاَ كِرَاءٍ، وَلاَ مُؤْنَةٍ إنْ سَلِمَتْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ‏:‏ إنَّا لَنَعْلَمُ أَنْ قَدْ تَرَكْنَا قَوْلَنَا حَيْثُ أَلْزَمْنَا الضَّمَانَ وَالْكِرَاءَ، وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا قَوْلَنَا، قُلْنَا‏:‏ إنْ كَانَ قَوْلُك عِنْدَك حَقًّا فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ تَدَعَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَقٍّ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ تُقِيمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ فَمَا الْأَحَادِيثُ الَّتِي عَلَيْهَا اعْتَمَدْتُمْ‏؟‏ قُلْنَا لَهُمْ‏:‏ أَمَّا أَحَادِيثُكُمْ، فَإِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الْحَيَّ يُحَدِّثُونَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، أَوْ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى لَهُ شَاتَيْنِ فَبَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعِهِ بِالْبَرَكَةِ فَكَانَ لَوْ اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فِيهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ فَوَصَلَهُ وَيَرْوِيهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَوْ مَعْنَاهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَمَنْ قَالَ لَهُ جَمِيعُ مَا اشْتَرَى لَهُ بِأَنَّهُ بِمَالِهِ اشْتَرَى فَهُوَ ازْدِيَادٌ مَمْلُوكٌ لَهُ قَالَ‏:‏ إنَّمَا كَانَ مَا فَعَلَ عُرْوَةُ مِنْ ذَلِكَ ازْدِيَادًا وَنَظَرًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَظَرِهِ وَازْدِيَادِهِ وَاخْتَارَ أَنْ لاَ يُضَمِّنَهُ وَأَنْ يَمْلِكَ مَا مَلَكَ عُرْوَةُ بِمَالِهِ وَدَعَا لَهُ فِي بَيْعِهِ وَرَأَى عُرْوَةَ بِذَلِكَ مُحْسِنًا غَيْرَ عَاصٍ، وَلَوْ كَانَ مَعْصِيَةً نَهَاهُ، وَلَمْ يَقْبَلْهَا، وَلَمْ يَمْلِكْهَا فِي الْوَجْهَيْنِ مَعًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ رَضِيَ أَنْ يَمْلِكَ شَاةً بِدِينَارٍ فَمَلَكَ بِالدِّينَارِ شَاتَيْنِ كَانَ بِهِ أَرْضَى، وَإِنَّ مَعْنَى مَا تَضَمَّنَهُ إنْ أَرَادَ مَالِكُ الْمَالِ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ مِلْكَ وَاحِدَةٍ وَمَلَّكَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِيَةَ بِلاَ أَمْرِهِ، وَلَكِنَّهُ إنْ شَاءَ مَلَكَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يُضَمِّنْهُ‏.‏

وَمَنْ قَالَ‏:‏ هُمَا لَهُ جَمِيعًا بِلاَ خِيَارٍ قَالَ‏:‏ إذَا جَازَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ شَاةً بِدِينَارٍ فَأَخَذَ شَاتَيْنِ، فَقَدْ أَخَذَ وَاحِدَةً تَجُوزُ بِجَمِيعِ الدِّينَارِ فَأَوْفَاهُ وَازْدَادَ لَهُ بِدِينَارِهِ شَاةً لاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ فِي مِلْكِهَا، وَهَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَاَلَّذِي يُخَالِفُنَا يَقُولُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ مَالِكٌ لِشَاةٍ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَالشَّاةِ الْأُخْرَى وَثَمَنٍ إنْ كَانَ لَهَا لِلْمُشْتَرِي لاَ يَكُونُ لِلْآمِرِ أَنْ يَمْلِكَهَا أَبَدًا بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ لِنِصْفِ دِينَارٍ‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَعُبَيْدَ اللَّهِ ابْنَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنهم خَرَجَا فِي جَيْشٍ إلَى الْعِرَاقِ فَلَمَّا قَفَلاَ مَرَّا عَلَى عَامِلٍ لِعُمَرَ فَرَحَّبَ بِهِمَا وَسَهَّلَ، وَهُوَ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ، وَقَالَ‏:‏ لَوْ أَقْدِرُ لَكُمَا عَلَى أَمْرٍ أَنْفَعُكُمَا بِهِ لَفَعَلْت‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ بَلَى هَا هُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأُسَلِّفُكُمَاهُ فَتَبْتَاعَانِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْعِرَاقِ ثُمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ الْمَالِ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَكُونُ لَكُمَا الرِّبْحُ فَقَالاَ‏:‏ وَدِدْنَا فَفَعَلَ وَكَتَبَ لَهُمَا إلَى عُمَرَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا الْمَالَ فَلَمَّا قَدِمَا الْمَدِينَةَ بَاعَا فَرَبِحَا فَلَمَّا دَفَعَا إلَى عُمَرَ قَالَ لَهُمَا أَكُلُّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ كَمَا أَسْلَفَكُمَا‏؟‏ فَقَالاَ لاَ‏:‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ قَالَ أَنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا فَأَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَسَكَتَ، وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ‏:‏ مَا يَنْبَغِي لَك هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ هَلَكَ الْمَالُ، أَوْ نَقَصَ لَضَمِنَّاهُ فَقَالَ أَدِّيَاهُ فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ‏:‏ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا فَأَخَذَ عُمَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَنِصْفَ رِبْحِهِ وَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ نِصْفَ رِبْحِ ذَلِكَ الْمَالِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَلاَ تَرَى إلَى عُمَرَ يَقُولُ أَكُلُّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ كَمَا أَسْلَفَكُمَا‏؟‏ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَرَى أَنَّ الْمَالَ لاَ يُحْمَلُ إلَيْهِ مَعَ رَجُلٍ يُسَلِّفُهُ فَيَبْتَاعُ وَيَبِيعُ إلَّا وَفِي ذَلِكَ حَبْسٌ لِلْمَالِ بِلاَ مَنْفَعَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَانَ عُمَرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ يَرَى أَنَّ الْمَالَ يُبْعَثُ بِهِ، أَوْ يُرْسَلُ بِهِ مَعَ ثِقَةٍ يُسْرِعُ بِهِ الْمَسِيرَ وَيَدْفَعُهُ عِنْدَ مَقْدِمِهِ لاَ حَبْسَ فِيهِ، وَلاَ مَنْفَعَةَ لِلرَّسُولِ، أَوْ يُدْفَعُ بِالْمِصْرِ الَّذِي يَجْتَازُ إلَيْهِ إلَى ثِقَةٍ يَضْمَنُهُ وَيَكْتُبُ كِتَابًا بِأَنْ يُدْفَعَ فِي الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلِيفَةُ بِلاَ حَبْسٍ، أَوْ يُدْفَعَ قِرَاضًا فَيَكُونَ فِيهِ الْحَبْسُ بِلاَ ضَرَرٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيَكُون فَضْلٌ إنْ كَانَ فِيهِ حَبْسٌ إنْ كَانَ لَهُ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِلْكًا لِلْوَالِي الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِمَا فَيُجِيزُ أَمْرَهُ فِيمَا يُمْلَكُ إلَيْهِ فِيمَا يَرَى أَنَّ الرِّبْحَ وَالْمَالَ لِلْمُسْلِمِينَ فَقَالَ عُمَرُ أَدِّيَاهُ وَرِبْحَهُ فَلَمَّا رَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بَعْضُ جُلَسَائِهِ وَبَعْضُ جُلَسَائِهِ عِنْدَنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَهُ قِرَاضًا رَأَى أَنْ يَفْعَلَ وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ رَأَى أَنَّ الْوَالِيَ الْقَائِمُ بِهِ الْحَاكِمُ فِيهِ حَتَّى يَصِيرَ إلَى عُمَرَ وَرَأَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُنَفِّذَ مَا صَنَعَ الْوَالِي مِمَّا يُوَافِقُ الْحُكْمَ فَلَمَّا كَانَ لَوْ دَفَعَهُ الْوَالِي قِرَاضًا كَانَ عَلَى عُمَرَ أَنْ يُنَفِّذَ الْحَبْسَ لَهُ وَالْعِوَضَ بِالْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْلِمِينَ فِي فَضْلِهِ رَدَّ مَا صَنَعَ الْوَالِي إلَى مَا يَجُوزُ مِمَّا لَوْ صَنَعَهُ لَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَرَدَّ مِنْهُ فَضْلَ الرِّبْحِ الَّذِي لَمْ يَرَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمَا وَأَنْفَذَ لَهُمَا نِصْفَ الرِّبْحِ الَّذِي كَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَدْ كَانَا ضَامِنَيْنِ لِلْمَالِ وَعَلَى الضَّمَانِ أَخَذَاهُ لَوْ هَلَكَ ضَمِنَاهُ، أَلاَ تَرَى أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَرُدَّ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ قَوْلَهُ لَوْ هَلَكَ أَوْ نَقَصَ كُنَّا لَهُ ضَامِنِينَ، وَلَمْ يَرُدَّهُ أَحَدٌ مِمَّنْ حَضَرَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ عُمَرُ، وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكُمَا الرِّبْحُ بِالضَّمَانِ، بَلْ جَمَعَ عَلَيْهِمَا الضَّمَانَ وَأَخَذَ مِنْهُمَا بَعْضَ الرِّبْحِ، فَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَلَعَلَّ عُمَرُ اسْتَطَابَ أَنْفُسَهُمَا، قُلْنَا‏:‏ أَوَمَا فِي الْحَدِيثِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ عَلَيْهِمَا، أَلاَ تَرَى أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ رَاجَعَهُ قَالَ‏:‏ فَلِمَ أَخَذَ نِصْفَ الرِّبْحِ، وَلَمْ يَأْخُذْهُ كُلَّهُ‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ حَكَمَ فِيهِ بِأَنْ أَجَازَ مِنْهُ مَا كَانَ يَجُوزُ عَلَى الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَالِيَ لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِمَا عَلَى الْمُقَارَضَةِ جَازَ، فَلَمَّا رَأَى وَمَنْ حَضَرَهُ أَنَّ أَخْذَهُمَا الْمَالَ غَيْرُ تَعَدٍّ مِنْهُمَا وَأَنَّهُمَا أَخَذَاهُ مِنْ وَالٍ لَهُ فَكَانَا يَرَيَانِ وَالْوَالِي أَنَّ مَا صَنَعَ جَائِزٌ فَلَمْ يَزْعُمْ وَمَنْ حَضَرَهُ مَا صَنَعَ يَجُوزُ إلَّا بِمَعْنَى الْقِرَاضِ أَنْفَذَ فِيهِ الْقِرَاضَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ نَافِذًا لَوْ فَعَلَهُ الْوَالِي، أَوْ لاَ وَرَدَّ فِيهِ الْفَضْلَ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُمَا عَلَى الْقِرَاضِ، وَلَمْ يَرَهُ يَنْفُذُ لَهُمَا بِلاَ مَنْفَعَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ‏.‏

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ رِيَاحِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ‏:‏ بَعَثَ رَجُلٌ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ إلَى رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ فَابْتَاعَ بِهَا الْمَبْعُوثُ مَعَهُ بَعِيرًا ثُمَّ بَاعَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ‏:‏ الْأَحَدَ عَشَرَ لِصَاحِبِ الْمَالِ، وَلَوْ حَدَثَ بِالْبَعِيرِ حَدَثٌ كُنْت لَهُ ضَامِنًا‏.‏

أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِثْلَ مَعْنَاهُ قَالَ‏:‏ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ عُمَرَ يَرَى عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْبِضَاعَةِ لِغَيْرِهِ الضَّمَانَ وَيَرَى الرِّبْحَ لِصَاحِبِ الْبِضَاعَةِ، وَلاَ يَجْعَلُ الرِّبْحَ لِمَنْ ضَمِنَ إذَا الْمُبْضَعُ مَعَهُ تَعَدَّى فِي مَالِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَاَلَّذِي يُخَالِفُنَا فِي هَذَا يَجْعَلُ لَهُ الرِّبْحَ، وَلاَ أَدْرِي أَيَأْمُرُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ أَمْ لاَ‏؟‏ وَلَيْسَ مَعَهُ خَبَرٌ إلَّا تَوَهُّمٌ عَنْ شُرَيْحٍ وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْأَقَاوِيلَ الَّتِي تَلْزَمُ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، أَوْ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَلِمَ يَخْتَلِفُوا وَقَوْلُهُمْ هَذَا لَيْسَ دَاخِلاً فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَلْزَمُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُمْ‏.‏

كِرَاءُ الْإِبِلِ وَالدَّوَابِّ

قَالَ‏:‏ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ كِرَاءُ الْإِبِلِ جَائِزٌ لِلْمَحَامِلِ وَالزَّوَامِلِ وَالرَّوَاحِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحَمُولَةِ، وَكَذَلِكَ كِرَاءُ الدَّوَابِّ لِلسُّرُوجِ وَالْأَكُفِّ وَالْحَمُولَةِ قَالَ‏:‏ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ مَغِيبٍ لاَ تَجُوزُ حَتَّى يَرَى الرَّاكِبَ وَالرَّاكِبِينَ وَظَرْفَ الْمَحْمَلِ وَالْوِطَاءَ وَكَيْفَ الظِّلِّ إنْ شَرَطَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فَيَتَبَايَنُ، أَوْ تَكُونُ الْحَمُولَةُ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ أَوْ كَيْلٍ مَعْلُومٍ، أَوْ ظُرُوفٍ تُرَى، أَوْ تَكُونُ إذَا شُرِطَتْ عُرِفَتْ مِثْلَ غَرَائِرِ الْحَلَبَةِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا قَالَ‏:‏ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ قَالَ‏:‏ أَتَكَارَى مِنْك مَحْمَلاً، أَوْ مَرْكَبًا، أَوْ زَامِلَةً فَهُوَ مَفْسُوخٌ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا لَمْ يُوقَفْ عَلَى حَدِّ هَذَا، وَإِنْ شَرَطَ وَزْنًا‏؟‏ وَقَالَ‏:‏ الْمَعَالِيقُ أَوْ أَرَاهُ مَحْمَلاً وَقَالَ‏:‏ مَا يَصْلُحُهُ فَالْقِيَاسُ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى حَدِّهِ، وَإِنْ شَرَطَ وَزْنًا وَقَالَ‏:‏ الْمَعَالِيقُ أَوْ أَرَاهُ مَحْمَلاً فَكَذَلِكَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ‏:‏ أُجِيزُهُ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ النَّاسُ وَسَطًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَعُقْدَةُ الْكِرَاءِ لاَ تَجُوزُ إلَّا بِأَمْرٍ مَعْلُومٍ كَمَا لاَ تَجُوزُ الْبُيُوعُ إلَّا مَعْلُومَةً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا تَكَارَى رَجُلٌ مَحْمَلاً مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ فَشَرَطَ سَيْرًا مَعْلُومًا فَهُوَ أَصَحُّ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَاَلَّذِي أَحْفَظُ أَنَّ الْمَسِيرَ مَعْلُومٌ وَأَنَّهُ الْمَرَاحِلُ فَيُلْزَمَانِ الْمَرَاحِلَ؛ لِأَنَّهَا الْأَغْلَبُ مِنْ سَيْرِ النَّاسِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ كَيْفَ لاَ يَفْسُدُ فِي هَذَا الْكِرَاءُ وَالسَّيْرُ يَخْتَلِفُ‏؟‏ قِيلَ لَيْسَ لِلْإِفْسَادِ هَا هُنَا مَوْضِعٌ فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَبِأَيِّ شَيْءٍ قِسْته‏؟‏ قِيلَ‏:‏ بِنَقْدِ الْبَلَدِ، الْبَلَدُ لَهُ نَقْدٌ وَصَنْجٌ وَغَلَّةٌ مُخْتَلِفَةٌ فَيَبِيعُ الرَّجُلُ بِالدَّرَاهِمِ، وَلاَ يَشْتَرِطُ نَقْدًا بِعَيْنِهِ، وَلاَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ لَهُ الْأَغْلَبُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُمَا الْغَالِبُ مِنْ مَسِيرِ النَّاسِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ أَرَادَ الْمُكْتَرِي مُجَاوَزَةَ الْمَرَاحِلِ أَوْ الْجَمَّالُ التَّقْصِيرَ عَنْهَا أَوْ مُجَاوَزَتَهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِرِضَاهُمَا فَإِنْ كَانَ بِعَدَدِ أَيَّامٍ فَأَرَادَ الْجَمَّالُ أَنْ يُقِيمَ ثُمَّ يَطْوِيَ بِقَدْرِ مَا أَقَامَ أَوْ أَرَادَ الْمُكْتَرِي فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَذَلِكَ أَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَى الْمُكْتَرِي التَّعَبُ وَالتَّقْصِيرُ، وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ عَلَى الْجَمَّالِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ تَكَارَى مِنْهُ لِعَبْدِهِ عُقْلَةً فَأَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ اللَّيْلَ دُونَ النَّهَارِ بِالْأَمْيَالِ، أَوْ النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ، أَوْ أَرَادَ ذَلِكَ بِهِ الْجَمَّالُ فَلَيْسَ ذَلِكَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَرْكَبُ عَلَى مَا يَعْرِفُ النَّاسُ الْعَقَبَةَ ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَمْشِي بِقَدْرِ مَا يَرْكَبُ ثُمَّ يَرْكَبُ بِقَدْرِ مَا مَشَى، وَلاَ يُتَابِعُ الْمَشْيَ فَيَفْدَحُهُ، وَلاَ الرُّكُوبَ فَيَضُرُّ بِالْبَعِيرِ، قَالَ‏:‏ وَإِنْ تَكَارَى إبِلاً بِأَعْيَانِهَا رَكِبَهَا، وَإِنْ تَكَارَى حَمُولَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ بِأَعْيَانِهَا رَكِبَ مَا يَحْمِلُهُ فَإِنْ حَمَلَهُ عَلَى بَعِيرٍ غَلِيظٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ ضَرَرًا مُتَفَاحِشًا أَمَرَ أَنْ يُبَدِّلَهُ، وَإِنْ كَانَ شَبِيهًا بِمَا يَرْكَبُ النَّاسُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى إبْدَالِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ كَانَ الْبَعِيرُ يَسْقُطُ، أَوْ يَعْثُرُ فَيُخَافُ مِنْهُ الْعَنَتُ عَلَى رَاكِبِهِ أَمَرَ بِإِبْدَالِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَعَلَيْهِ أَنْ يُرْكِبَ الْمَرْأَةَ الْبَعِيرَ بَارِكًا وَتَنْزِلَ عَنْهُ بَارِكًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رُكُوبُ النِّسَاءِ أَمَّا الرِّجَالُ فَيَرْكَبُونَ عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ رُكُوبِ النَّاسِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُنْزِلَهُ لِلصَّلَوَاتِ وَيَنْتَظِرَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا غَيْرَ مُعَجِّلٍ لَهُ وَلِمَا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَالْوُضُوءِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَظِرَهُ لِغَيْرِ مَا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ، قَالَ‏:‏ وَلَيْسَ لِلْجَمَّالِ إذَا كَانَتْ الْقُرَى هِيَ الْمَنَازِلُ أَنْ يَتَعَدَّاهَا إنْ أَرَادَ الْكَلاََ، وَلاَ لِلْمُكْتَرِي إذَا أَرَادَ عُزْلَةَ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَا فِي السَّاعَةِ الَّتِي يَسِيرَانِ فِيهَا، فَإِنْ أَرَادَ الْجَمَّالُ، أَوْ الْمُكْتَرِي ذَلِكَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ نَظَرَ إلَى مَسِيرِ النَّاسِ بِقَدْرِ الْمَرْحَلَةِ الَّتِي يُرِيدَانِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَتَكَارَى بَعِيرًا بِعَيْنِهِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَكَارَى إلَّا عِنْدَ خُرُوجِهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَارَى يَنْتَفِعُ بِمَا أَخَذَ مِنْ الْمُكْتَرِي، وَلاَ يَلْزَمُ الْجَمَّالَ الضَّمَانُ لِلْحَمُولَةِ إنْ مَاتَ الْبَعِيرُ بِعَيْنِهِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا غَائِبًا بِعَيْنِهِ إلَى أَجَلٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ عَلَى مَضْمُونٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ مِثْلُ السَّلَمِ، أَوْ عَلَى شَيْءٍ يَقْبِضُ الْمُكْتَرِي فِيهِ مَا اكْتَرَى عِنْدَ اكْتِرَائِهِ كَمَا يَقْبِضُ الْمَبِيعَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ تَكَارَى إبِلاً بِأَعْيَانِهَا فَرَكِبَهَا ثُمَّ مَاتَتْ رَدَّ الْجَمَّالُ مِمَّا أَخَذَ مِنْهُ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ، وَلَمْ يَضْمَنْ لَهُ الْحَمُولَةَ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْزِلِ يَكْتَرِيهِ وَالْعَبْدُ يَسْتَأْجِرُهُ، وَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ الْحَمُولَةُ إذَا شَرَطَهَا عَلَيْهِ غَيْرَ إبِلٍ بِأَعْيَانِهَا كَانَتْ لاَزِمَةً لِلْجَمَّالِ بِكُلِّ حَالٍ وَالْكِرَاءُ لاَزِمٌ لِلْمُكْتَرِي وَالْكِرَاءُ بِكُلِّ حَالٍ لاَ يُفْسَخُ أَبَدًا بِمَوْتِهِمَا، وَلاَ بِمَوْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، هُوَ فِي مَالِ الْجَمَّالِ إنْ مَاتَ وَمَالِ الْمُكْتَرِي إنْ مَاتَ وَتَحْمِلُ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ حَمُولَتَهُ، أَوْ وَزْنَهَا وَرَاكِبًا مِثْلَهُ وَوَرَثَةُ الْجَمَّالِ إنْ شَاءُوا قَامُوا بِالْكِرَاءِ وَإِلَّا بَاعَ السُّلْطَانُ فِي مَالِهِ وَاسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ مَنْ يُوَفِّي الْمُكْتَرِيَ مَا شُرِطَ لَهُ مِنْ الْحَمُولَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الرِّحْلَةِ رَحَلَ لاَ مَكْبُوبًا، وَلاَ مُسْتَلْقِيًا، وَإِنْ انْكَسَرَ الْمَحِلُّ، أَوْ الظِّلُّ أُبْدِلَ مَحْمَلاً مِثْلَهُ، أَوْ ظِلًّا مِثْلَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الزَّادِ الَّذِي يَنْفَدُ بَعْضُهُ فَقَالَ صَاحِبُ الزَّادِ أُبْدِلُهُ بِوَزْنِهِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُبْدِلَ لَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْوَزْنُ، قَالَ‏:‏ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْدِلَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ أَنَّ الزَّادَ يَنْقُصُ قَلِيلاً، وَلاَ يُبْدَلُ مَكَانَهُ كَانَ مَذْهَبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ مَذَاهِبِ النَّاسِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالدَّوَابُّ فِي هَذَا مِثْلُ الْإِبِلِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَسِيرِ سَارَ كَمَا يَسِيرُ النَّاسُ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ لاَ مُتْعِبًا، وَلاَ مُقَصِّرًا كَمَا يَسِيرُ الْأَكْثَرُ مِنْ النَّاسِ وَيُعْرَفُ خِلاَفُ الضَّرَرِ بِالْمُكْتَرِي لِلدَّابَّةِ وَالْمُكْرَى فَإِنْ كَانَتْ صَعْبَةً نَظَرَا فَإِنْ كَانَتْ صُعُوبَتُهَا مُشَابَهَةً صُعُوبَةَ عَوَامِّ الدَّوَابِّ، أَوْ تُقَارِبُهَا لَزِمَتْ الْمُكْتَرِيَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهَا مَخُوفًا فَإِنْ تَكَارَاهَا بِعَيْنِهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ تَنَاقَضَا الْكِرَاءَ إنْ شَاءَ الْمُكْتَرِي، وَإِنْ تَكَارَى مَرْكَبًا فَعَلَى الْمُكْرِي الدَّابَّةَ لَهُ غَيْرُهَا مِمَّا لاَ يُبَايِنُ دَوَابَّ النَّاسِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَعَلَفُ الدَّوَابِّ وَالْإِبِلِ عَلَى الْجَمَّالِ أَوْ مَالِكِ الدَّوَابِّ فَإِنْ تَغَيَّبَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَعَلَفَ الْمُكْتَرِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ إلَّا أَنْ يَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ، وَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُوَكِّلَ رَجُلاً مِنْ أَهْل الرُّفْقَةِ بِأَنْ يَعْلِفَ وَيَحْسِبَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ وَالْإِبِلِ، وَإِنْ ضَاقَ ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ غَيْرُ الرَّاكِبِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ يَأْمُرُ الرَّاكِبَ أَنْ يَعْلِفَ؛ لِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ الرُّكُوبَ وَالرُّكُوبُ لاَ يَصْلُحُ إلَّا بِعَلَفٍ وَيَحْسِبُ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ، وَهَذَا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَلاَ يُوجَدُ فِيهِ إلَّا هَذَا؛ لِأَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ الْعَلَفِ وَإِلَّا تَلِفَتْ الدَّابَّةُ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ الْمُكْتَرِي الرُّكُوبَ كَانَ مَذْهَبًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَفِي هَذَا أَنَّ الْمُكْتَرِيَ يَكُونُ أَمِينَ نَفْسِهِ وَإِنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ إنْ قَالَ‏:‏ لَمْ يَعْلِفْهَا إلَّا بِكَذَا وَقَالَ الْأَمِينُ عَلَفْتهَا بِكَذَا لِأَكْثَرَ فَإِنْ قَبِلَ قَوْلَ رَبِّ الدَّابَّةِ فِي مَالِهِ سَقَطَ كَثِيرٌ مِنْ حَقِّ الْعَالِفِ، وَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَوْلُ الْمُكْتَرِي الْعَالِفِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ، وَإِنْ نَظَرَ إلَى عَلَفِ مِثْلِهَا فَصَدَّقَ بِهِ فِيهِ، فَقَدْ خَرَجَ مَالِكُ الدَّابَّةِ وَالْمُكْتَرِي مِنْ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا، وَقَدْ تَرِدُ أَشْبَاهٌ مِنْ هَذَا فِي الْفِقْهِ فَيَذْهَبُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنْ لاَ قِيَاسَ وَأَنَّ الْقِيَاسَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَيَقُولُونَ يَقْضِي فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ بِأَقْرَبِ الْأُمُورِ فِي الْعَدْلِ فِيمَا يَرَاهُ إذَا لَمْ يَجِدْ فِيهِ مُتَقَدِّمٌ مِنْ حُكْمٍ يَتْبَعُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَيَعِيبُ هَذَا الْمَذْهَبَ بَعْضُ النَّاسِ وَيَقُولُ لاَ بُدَّ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى مُتَقَدِّمِ الْأَحْكَامِ ثُمَّ يَصِيرُ إلَى أَنْ يُكْثِرَ الْقَوْلَ بِمَا عَابَ وَيَرُدَّ مَا يُشْبِهُ هَذَا فِيمَا يَرَى رَدَّهُ مَنْ كَرِهَ الرَّأْيَ فَإِنْ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِمَا يَكُونُ عَدْلاً عِنْدَ النَّاسِ فِيمَا يَرَى الْحَاكِمُ فَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا فِي بَعْضِ أَقَاوِيلِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ، فَقَدْ يَتْرُكُ أَهْلُ الْقِيَاسِ الْقِيَاسَ فَيَكُونُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ أَصْحَابِنَا حَمَلَ النَّاسَ عَلَى أَكْثَرِ مُعَامَلَتِهِمْ وَعَلَى الْأَقْرَبِ مِنْ صَلاَحِهِمْ وَأَنْفَذَ الْحُكْمَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ بِقَدْرِ مَا يَحْضُرُهُ مِمَّا يَسْمَعُ مِنْ قَضِيَّتِهِمَا مِمَّا يُشْبِهُ الْأَغْلَبَ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْقِيَاسِ أَعَادَ الْأُمُورَ إلَى الْأُصُولِ ثُمَّ قَاسَهَا عَلَيْهَا وَحَكَمَ لَهَا بِأَحْكَامِهَا، وَهَذَا رُبَّمَا تَفَاحَشَ‏.‏

مَسْأَلَةٌ الرَّجُلُ يَكْتَرِي الدَّابَّةَ فَيَضْرِبُهَا فَتَمُوتُ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اكْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الدَّابَّةَ فَضَرَبَهَا، أَوْ نَخَسَهَا بِلِجَامٍ، أَوْ رَكَضَهَا فَمَاتَتْ سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالرُّكُوبِ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَفْعَلُ الْعَامَّةُ فَلاَ يَكُونُ فِيهِ عِنْدَهُمْ خَوْفُ تَلَفٍ أَوْ فَعَلَ بِالْكَبْحِ وَالضَّرْبِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُهُ بِمِثْلِهَا عِنْدَمَا فَعَلَهُ فَلاَ أَعُدُّ ذَلِكَ خِرْقَةً، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِمَوْضِعٍ قَدْ يَكُونُ بِمِثْلِهِ تَلَفٌ، أَوْ فَعَلَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لاَ يُفْعَلُ فِي مِثْلِهِ ثَمَنٌ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَا تَعَدٍّ وَالْمُسْتَعِيرُ هَكَذَا إنْ كَانَ صَاحِبُهُ لاَ يُرِيدُ أَنْ يُضَمِّنَهُ فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ الْعَارِيَّةَ فَهُوَ ضَامِنٌ تَعَدَّى أَوْ لَمْ يَتَعَدَّ، وَأَمَّا الرَّائِضُ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ الرُّوَّاضِ الَّذِي يَعْرِفُ بِهِ إصْلاَحَهُمْ لِلدَّوَابِّ الضَّرْبُ عَلَى حَمْلِهَا مِنْ السَّيْرِ وَالْحَمْلُ عَلَيْهَا مِنْ الضَّرْبِ أَكْثَرُ مَا يَفْعَلُ الرُّكَّابُ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَكُونُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالرِّيَاضَةِ إصْلاَحًا وَتَأْدِيبًا لِلدَّابَّةِ بِلاَ إعْنَافٍ بَيِّنٍ لَمْ يَضْمَنْ إنْ عَيَّتْ‏.‏

وَإِنْ فَعَلَ خِلاَفَ هَذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا وَضَمِنَ وَالْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ هَكَذَا كَالْمُكْتَرِي فِي رُكُوبِهَا إذَا تَعَدَّى ضَمِنَ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَدَّ لَمْ يَضْمَنْ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ قَوْلُهُ الَّذِي نَأْخُذُ بِهِ فِي الْمُسْتَعِيرِ أَنَّهُ يَضْمَنُ تَعَدَّى أَوْ لَمْ يَتَعَدَّ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «الْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ مُؤَدَّاةٌ»، وَهُوَ آخِرُ قَوْلِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالرَّاعِي إذَا فَعَلَ مَا لِلرِّعَاءِ أَنْ يَفْعَلُوهُ مِمَّا لاَ صَلاَحَ لِلْمَاشِيَةِ إلَّا بِهِ وَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْمَاشِيَةِ بِمَوَاشِي أَنْفُسِهِمْ عَلَى اسْتِصْلاَحِهَا وَمَنْ إذَا رَأَوْا مَنْ يَفْعَلُهُ بِمَوَاشِيهِمْ مِمَّنْ يَلِي رَعِيَّتَهَا كَانَ عِنْدَهُمْ صَلاَحًا لاَ تَلَفًا، وَلاَ خِرْقَةَ فَفَعَلَهُ الرَّاعِي لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ تَلِفَ فِيهِ، وَإِنْ فَعَلَ مَا يَكُونُ عِنْدَهُمْ خِرْقَةً فَتَلِفَ مِنْهُ شَيْءٌ ضَمِنَهُ عِنْدَ مَنْ لاَ يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ وَمَنْ ضَمَّنَ الْأَجِيرَ ضَمَّنَهُ فِي كُلِّ حَالٍ‏.‏

مَسْأَلَةُ الْأُجَرَاءِ

أَخْبَرَ الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى قَالَ‏:‏ الْأُجَرَاءُ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ، فَإِذَا تَلِفَ فِي أَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ جِنَايَتِهِمْ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ أَخَذَ إكْرَاءً عَلَى شَيْءٍ كَانَ لَهُ ضَامِنًا يُؤَدِّيهِ عَلَى السَّلاَمَةِ، أَوْ يَضْمَنُهُ، أَوْ مَا نَقَصَهُ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ الْأَمِينُ هُوَ مَنْ دَفَعْت إلَيْهِ رَاضِيًا بِأَمَانَتِهِ لاَ مُعْطِيَ أَجْرًا عَلَى شَيْءٍ مِمَّا دَفَعْت إلَيْهِ وَإِعْطَائِي هَذَا الْأَجْرَ تَفْرِيقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمِينِ الَّذِي أَخَذَ مَا اُسْتُؤْمِنَ عَلَيْهِ بِلاَ جَعْلٍ، أَوْ يَقُولُ قَائِلٌ‏:‏ لاَ ضَمَانَ عَلَى أَجِيرٍ بِحَالٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا يُضَمِّنُ مَنْ تَعَدَّى فَأَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ، أَوْ أَخَذَ الشَّيْءَ عَلَى مَنْفَعَةٍ لَهُ فِيهِ إمَّا بِتَسَلُّطٍ عَلَى إتْلاَفِهِ كَمَا يَأْخُذُ سَلَفًا فَيَكُونُ مَالاً مِنْ مَالِهِ فَيَكُونُ إنْ شَاءَ يُنْفِقُهُ وَيَرُدُّ مِثْلَهُ‏.‏

وَإِمَّا مُسْتَعِيرٌ سُلِّطَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِمَا أُعِيرَ فَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ لاَ لِمَنْفَعَةِ صَاحِبِهِ فِيهِ، وَهَذَانِ مَعًا نَقْصٌ عَلَى الْمُسَلِّفِ وَالْمُعِيرِ أَوْ غَيْرُ زِيَادَةٍ لَهُ وَالصَّانِعُ وَالْأَجِيرُ مَنْ كَانَ لَيْسَ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَلاَ يَضْمَنُ بِحَالٍ إلَّا مَا جَنَتْ يَدُهُ كَمَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ مَا جَنَتْ يَدُهُ وَلَيْسَ فِي هَذَا سُنَّةٌ أَعْلَمُهَا، وَلاَ أَثَرٌ يَصِحُّ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ لَيْسَ يَثْبُتُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَنْهُمَا، وَلَوْ ثَبَتَ عَنْهُمَا لَزِمَ مَنْ يُثْبِتُهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأُجَرَاءَ مَنْ كَانُوا فَيُضَمِّنُ أَجِيرَ الرَّجُلِ وَحْدَهُ وَالْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَالْأَجِيرَ عَلَى الْحِفْظِ وَالرَّعْيِ وَحَمْلِ الْمَتَاعِ وَالْأَجِيرَ عَلَى الشَّيْءِ يَصْنَعُهُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ إنْ كَانَ ضَمَّنَ الصُّنَّاعَ فَلَيْسَ فِي تَضْمِينِهِ لَهُمْ مَعْنًى إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمَّنَهُمْ بِأَنَّهُمْ أَخَذُوا أَجْرًا عَلَى مَا ضَمِنُوا فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَخَذَ أَجْرًا فَهُوَ فِي مَعْنَاهُمْ، وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه ضَمَّنَ الْقَصَّارَ وَالصَّائِغَ فَكَذَلِكَ كُلُّ صَانِعٍ وَكُلُّ مَنْ أَخَذَ أُجْرَةً، وَقَدْ يُقَالُ لِلرَّاعِي صِنَاعَتُهُ الرَّعِيَّةُ وَلِلْحَمَّالِ صِنَاعَتُهُ الْحَمْلُ لِلنَّاسِ، وَلَكِنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ مَا قُلْت أَوَّلاً مِنْ التَّضْمِينِ، أَوْ تَرْكِ التَّضْمِينِ، وَمَنْ ضَمَّنَ الْأَجِيرَ بِكُلِّ حَالٍ فَكَانَ مَعَ الْأَجِيرِ مَا قُلْت مِثْلَ أَنْ يَسْتَحْمِلَهُ الشَّيْءَ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ يَسْتَعْمِلَهُ الشَّيْءَ فِي بَيْتِهِ، أَوْ غَيْرِ بَيْتِهِ، وَهُوَ حَاضِرٌ لِمَالِهِ، أَوْ وَكِيلٌ لَهُ بِحِفْظِهِ فَتَلِفَ مَالُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا تَلِفَ بِهِ إذَا لَمْ يَجْنِ عَلَيْهِ جَانٍ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى الصَّانِعِ، وَلاَ عَلَى الْأَجِيرِ‏.‏

وَكَذَلِكَ إنْ جَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ وَالضَّمَانُ عَلَى الْجَانِي، وَلَوْ غَابَ عَنْهُ، أَوْ تَرَكَهُ يَغِيبُ عَلَيْهِ كَانَ ضَامِنًا لَهُ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ مَا تَلِفَ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا مَعَهُ فَعَمِلَ فِيهِ عَمَلاً فَتَلِفَ بِذَلِكَ الْعَمَلِ وَقَالَ الْأَجِيرُ هَكَذَا يَعْمَلُ هَذَا فَلَمْ أَتَعَدَّ بِالْعَمَلِ وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ لَيْسَ هَكَذَا يَعْمَلُ، وَقَدْ تَعَدَّيْت وَبَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، أَوْ لاَ بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ سُئِلَ عَدْلاَنِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الصِّنَاعَةِ، فَإِنْ قَالاَ هَكَذَا يَعْمَلُ هَذَا فَلاَ يَضْمَنُ، وَإِنْ قَالاَ هَذَا تَعَدَّى فِي عَمَلِ هَذَا ضَمِنَ كَانَ التَّعَدِّي مَا كَانَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الصَّانِعِ مَعَ يَمِينِهِ ثُمَّ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِذَا سَمِعْتَنِي أَقُولُ‏:‏ الْقَوْلُ قَوْلُ أَحَدٍ فَلَسْت أَقُولُهُ إلَّا عَلَى مَعْنَى مَا يُعْرَفُ إذَا ادَّعَى الَّذِي جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ مَا يُمْكِنُ بِحَالٍ مِنْ الْحَالاَتِ جَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَهُ، وَإِذَا ادَّعَى مَا لاَ يُمْكِنُ بِحَالٍ مِنْ الْحَالاَتِ لَمْ أَجْعَلْ الْقَوْلَ قَوْلَهُ‏.‏

وَمَنْ ضَمَّنَ الصَّانِعَ فِيمَا يَغِيبُ عَلَيْهِ فَجَنَى جَانٍ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ فَأَتْلَفَهُ فَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ فِي تَضْمِينِ الصَّانِعِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ عَلَى السَّلاَمَةِ فَإِنْ ضَمَّنَهُ رَجَعَ بِهِ الصَّانِعُ عَلَى الْجَانِي، أَوْ يَضْمَنُ الْجَانِي فَإِنْ ضَمَّنَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ الْجَانِي عَلَى الصَّانِعِ، وَإِذَا ضَمَّنَهُ الصَّانِعَ فَأَفْلَسَ بِهِ الصَّانِعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْجَانِي وَكَانَ الْجَانِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَالْحَمِيلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ضَمَّنَهُ الْجَانِيَ فَأَفْلَسَ بِهِ الْجَانِي رَجَعَ بِهِ عَلَى الصَّانِعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبْرَأَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ تَضْمِينِ الْآخَرِ فَلاَ يَرْجِعُ بِهِ وَلِلصَّانِعِ فِي كُلِّ حَالٍ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْجَانِي إذَا أَخَذَ مِنْ الصَّانِعِ وَلَيْسَ لِلْجَانِي أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الصَّانِعِ إذَا أَخَذَ مِنْهُ بِحَالٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ عَلَى الْوَزْنِ الْمَعْلُومِ وَالْكَيْلِ الْمَعْلُومِ وَالْبَلَدِ الْمَعْلُومِ فَزَادَ الْوَزْنُ، أَوْ الْكَيْلُ، أَوْ نَقَصَا وَتَصَادَقَا عَلَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ وَلِيَ الْوَزْنَ وَالْكَيْلَ‏.‏ قُلْنَا‏:‏ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِالصِّنَاعَةِ هَلْ يَزِيدُ مَا بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ وَيَنْقُصُ مَا بَيْنَهُمَا‏.‏ وَبَيْنَ الْكَيْلَيْنِ هَكَذَا فِيمَا لَمْ تَدْخُلْهُ آفَةٌ‏؟‏ فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ قَدْ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ‏.‏ قُلْنَا فِي النُّقْصَانِ لِرَبِّ الْمَالِ قَدْ يُمْكِنُ عَمَّا زَعَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِلاَ جِنَايَةٍ، وَلاَ آفَةٍ، فَلَمَّا كَانَ النَّقْصُ يَكُونُ وَلاَ يَكُونُ، قُلْنَا‏:‏ إنْ شِئْت أَحَلَفْنَا لَك الْحَمَّالَ مَا خَانَك، وَلاَ تَعَدَّى بِشَيْءٍ أَفْسَدَ مَتَاعَك ثُمَّ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ وَقُلْنَا لِلْحَمَّالِ فِي الزِّيَادَةِ كَمَا قُلْنَا لِرَبِّ الْمَالِ فِي النُّقْصَانِ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ قَدْ تَكُونُ لاَ مِنْ حَادِثٍ، وَلاَ زِيَادَةٍ وَيَكُونُ النُّقْصَانُ وَكَانَتْ هَا هُنَا زِيَادَةٌ فَإِنْ لَمْ تَدَعْهَا فَهِيَ لِرَبِّ الْمَالِ، وَلاَ كِرَاءَ لَك فِيهَا، وَإِنْ ادَّعَيْتهَا أَوْفَيْنَا رَبَّ الْمَالِ مَالَهُ تَامًّا، وَلَمْ نُسَلِّمْ لَك الْفَضْلَ إلَّا بِأَنْ تَحْلِفَ مَا هُوَ مِنْ مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَتَأْخُذُهُ، وَإِنْ كَانَ زِيَادَةً لاَ يَزِيدُ مِثْلُهَا أَوْفَيْنَا رَبَّ الْمَالِ مَالَهُ وَقُلْنَا الزِّيَادَةُ لاَ يَدَّعِيهَا رَبُّ الْمَالِ فَإِنْ كَانَتْ لَك فَخُذْهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَك جَعَلْنَاهَا كَمَالٍ فِي يَدَيْك لاَ مُدَّعِيَ لَهُ وَقُلْنَا الْوَرَعُ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مَا لَيْسَ لَك فَإِنْ ادَّعَاهَا رَبُّ الْمَالِ وَصَدَّقَتْهُ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَهُ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا، وَإِنْ كُنْت أَنْتَ الْكَيَّالَ لِلطَّعَامِ بِأَمْرِ رَبِّ الطَّعَامِ، وَلاَ أَمِينَ مَعَك قُلْنَا لِرَبِّ الطَّعَامِ هُوَ يُقِرُّ بِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَك‏.‏ فَإِنْ ادَّعَيْتهَا فَهِيَ لَك وَعَلَيْك فِي الْمَكِيلَةِ الَّتِي اكْتَرَيْت عَلَيْهَا مَا سَمَّيْت مِنْ الْكِرَاءِ وَعَلَيْك الْيَمِينُ مَا رَضِيت أَنْ يَحْمِلَ لَك الزِّيَادَةَ ثُمَّ هُوَ ضَامِنٌ لاََنْ يُعْطِيَك مِثْلَ قَمْحِك بِبَلَدِك الَّذِي حَمَلَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ إلَّا بِأَنْ تَرْضَى أَنْ تَأْخُذَهُ مِنْ مَوْضِعِك فَلاَ يُحَالُ بَيْنَك وَبَيْنَ عَيْنِ مَالِك، وَلاَ كِرَاءَ عَلَيْك بِالْعُدْوَانِ، وَإِنْ قُلْت رَضِيت بِأَنْ يَحْمِلَ لِي مَكِيلَةً بِكِرَاءٍ مَعْلُومٍ وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ فَالْكِرَاءُ فِي الْمَكِيلَةِ جَائِزٌ، وَفِي الزِّيَادَةِ فَاسِدٌ وَالطَّعَامُ لَك وَلَهُ كِرَاءُ مِثْلِهِ فِي كُلِّهِ فَإِنْ كَانَ نُقْصَانٌ لاَ يَنْقُصُ مِثْلَهُ، فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى‏.‏

فَمَنْ رَأَى تَضْمِينَ الْحَمَّالِ ضَمِنَ مَا نَقَصَ عَنْ الْمَكِيلَةِ لاَ يَرْفَعُ عَنْهُ شَيْئًا، وَمَنْ لَمْ يَرَ تَضْمِينَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ وَطَرَحَ عَنْهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ‏.‏

اخْتِلاَفُ الْأَجِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا اخْتَلَفَ الرَّجُلاَنِ فِي الْكِرَاءِ وَتَصَادَقَا فِي الْعَمَلِ تَحَالَفَا وَكَانَ لِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ قَالَ‏:‏ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الصَّنْعَةِ فَقَالَ‏:‏ أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ أَصْفَرَ أَوْ تَخِيطَ قَمِيصًا فَخِطْته قَبَاءً، وَقَالَ الصَّانِعُ‏:‏ عَمِلْت مَا قُلْت لِي تَحَالَفَا وَكَانَ عَلَى الصَّانِعِ مَا نَقَصَ الثَّوْبَ، وَلاَ أَجْرَ لَهُ، وَإِنْ زَادَ الصَّبْغَ فِيهِ كَانَ شَرِيكًا بِمَا زَادَ الصَّبْغَ فِي الثَّوْبِ، وَإِنْ نَقَصَتْ مِنْهُ فَلاَ ضَمَانَةَ عَلَيْهِ، وَلاَ أَجْرَ لَهُ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ الَّذِي يَأْخُذُ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ وَعَلَى الصَّانِعِ مَا نَقَصَ الثَّوْبَ، وَإِنْ كَانَ نَقَصَهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ يَأْخُذُ الثَّوْبَ صَحِيحًا وَمُدَّعٍ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَطْعِهِ، أَوْ صَبْغِهِ كَمَا وَصَفْت فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِمَا قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ رَبُّ الثَّوْبِ وَلَزِمَ الصَّانِعَ مَا نَقَصَتْهُ الصَّنْعَةُ، وَإِنْ كَانَتْ زَادَتْ الصَّنْعَةُ فِيهِ شَيْئًا كَانَ الصَّانِعُ شَرِيكًا بِهَا إنْ كَانَتْ عَيْنًا قَائِمَةً فِيهِ مِثْلَ الصَّبْغِ، وَلاَ يَأْخُذُ مِنْ الْأُجْرَةِ شَيْئًا كَانَتْ زَادَتْ الصَّنْعَةُ فِيهِ شَيْئًا كَانَ الصَّانِعُ شَرِيكًا بِهَا إنْ كَانَتْ عَيْنًا قَائِمَةً فِيهِ مِثْلَ الصَّبْغِ، وَلاَ يَأْخُذُ مِنْ الْأُجْرَةِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنٌ قَائِمَةٌ فَلاَ شَيْءَ لَهُ‏.‏